الأربعاء، 24 يونيو 2015

بهاء الدين قراقوش المفترى عليه.بقلم الكاتب الرائع / محمد أسامة

بهاء الدين قراقوش المفترى عليه
.
قراقوش بن عبد الله الأسدي ، ولقبه بهاء الدين وكنيته أبو سعيد
أما كونه ابن عبد الله فلأنه لايُعرف مَنْ أبوه أما نسبته الأسدي فهي نسبة إلى أسد الدين شيركوه(ت564 هجرية) القائد العظيم وعم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله حيث كان له مجموعة من الفتيان تسمى الأسدية وقد انضم هؤلاء الفتيان إلى صلاح الدين بعد وفاة عمه أسد الدين وكان قراقوش واحداً منهم حيث اعتمد عليه صلاح الدين اعتماداً كبيراً في تثبيت دعائم ملكه في مصر والقضاء على الفتن والثورات الداخلية.وقراقوش معناها بالتركية: النسر الأسود (قوش: نسر، قرا: أسود).
.
وقراقوش المسكين الذي صار على ألسنة الناس في كل زمان وكل بلد المثل المضروب لكل حاكم فاسد الحكم، فكلما أراد الناس أن يصفوا حكمًا بالجور والفساد قالوا: هذا حكم قراقوش.إن قراقوش له صورتان: صورة تاريخيَّة صادقة، وصورة روائيَّة صوَّرها عدوٌّ له من منافسيه.
.
هو أحد قواد بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي، كان من أخلص أعوانه وأقربهم إليه، وكان قائدًا مظفرًا، وكان جنديًّا أمينًا، وكان مهندسًا حربيًّا منقطع النظير.
وكان أعجوبة في أمانته، لما أحس الفاطميون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر، ويحملون منها ما يخف حمله ويغلو ثمنه، وكان القصر مدينة صغيرة، كدَّس فيها الخلفاء الفاطميون خلال قرون من التحف والكنوز والنفائس ما لا يحصيه العدُّ، ولو أن عشرة لصوص أخذوا منه ما تُخفِي الثياب، لخرج كلٌّ منهم بغنى الدهر ولم يحس به أحد.
فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر، فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة والكئوس والثريات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب ما لا مثيل له في الدنيا، هذا فضلاً عن العرش الفاطمي الذي كان من أرطال الذهب، ومن نوادر اليواقيت والجواهر، ومن الصنعة العجيبة ما لا يقوّم بثمن.
وكان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات والمئات من الجواري المنحدرات من كل أمم الأرض، ما يفتن العابد..
فلا فتنه الجمال، ولا أغواه المال، ووفَّى الأمانة حقها، ولم يأخذ لنفسه شيئًا، ولا ترك أحدًا يأخذ منها شيئًا.
وُلد قراقوش بآسيا الصغرى، وهو رومي النسب، خصي، خدم أسد الدين شيركوه القائد العسكري في جيش عماد الدين آل زنكي؛ ثم في جيش خليفته نور الدين محمود؛ الذي قرَّب شيركوه وقدَّمه على بقية قواد الجيش... ودخل قراقوش مصر في جيش أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، في تلك الفترة التي شهدت انهيار الدولة الفاطمية ونذر قيام الدولة الأيوبيةكان قراقوش ضلعًا في مثلث ارتكزت عليه الدولة الأيوبية في مصر، الضلع الأول هو الفقيه عيسى الهكاري، والضلع الثاني هو القاضي الفاضل، والضلع الثالث هو القائد العسكري قراقوش..
.
إقام قلعة الجبل (قلعة صلاح الدين) فوق المقطم؛ التي ظلَّت مقرًّا للحكم في القاهرة حتى عهد محمد على إلى أن استبدل بها الخديوي إسماعيل مقرًّا آخر للحكم... ولم تتم بناء قلعة الجبل في عهد صلاح الدين، وإنما أكمل بناءها الملك الكامل محمد ابن أخي صلاح الدين يوسف، وهو أول من سكن بها من بني أيوب.
تعتبر قلعة صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة من أفخم القلاع الحربية التي شيدت في العصور الوسطى فموقعها استراتيجي من الدرجة الأولى بما يوفره هذا الموقع من أهمية دفاعية لأنه يسيطر على مدينتى القاهرة والفسطاط، كما أنه يشكل حاجزاً طبيعياً مرتفعاً بين المدينتين كما أنه بهذا الموقع يمكن توفير الاتصال بين القلعة والمدينة في حالة الحصار كما أنها سوف تصبح المعقل الأخير للاعتصام بها في حالة إذا ما سقطت المدينة بيد العدو.
مر بهذه القلعة الشامخة الكثير والعديد من الأحداث التاريخية حيث شهدت أسوارها أحداثاً تاريخية مختلفة خلال العصور الأيوبية والمملوكية وزمن الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م، وحتى تولى محمد على باشا حكم مصر حيث أعاد لها ازدهارها وعظمتها. كان السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب أول من فكر ببناء القلعة على ربوة الصوة في عام 572 هـ/1176م حيث قام وزيره بهاء الدين قراقوش الأسدى بهدم المساجد والقبور التي كانت موجودة على الصوة لكى يقوم ببناء القلعة عليها حيث قام العمال بنحت الصخر وإيجاد خندقاً اصطناعياً فصل جبل المقطم عن الصوة زيادة في مناعتها وقوتها.
و في الضلع الغربي للقلعة،
يوجد الباب المدرج وفوقه كتابة تشير إلي بناء هذه القلعة، ونصه ” بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بانشاء هذه القلعة الباهرة، المجاورة لمحروسة القاهرة التي جمعت نفعاً وتحسيناً وسعة علي من ألتجأ إلي ظل ملكه وتحصيناً، مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين، أبو المظفر يوسف بن أيوب محيي دولة أمير المؤمنين في نظر أخيه وولي عهده، الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد خليل أمير المؤمنين، علي يد أمير مملكته، ومعين دولته، قراقوش ابن عبد الله الملكي الناصري في سنة تسع وسبعين وخمسمائه “.
اقام قراقوش بانشاء بئر يوسف نسبة الى صلاح الدين يوسف بن نجم الدين ايوب وكان من عجائب البناء فقام بالحفر على عمق 90م (85 م منحوتة فى الصخر )حتى يصل الى المياة العذبة ثم قام قراقوش بالحفر مرة ثانية (الهدف كان امداد القلعة بالمياة الازمة ) الا ان المياه دخل فيها المياه المالحة .
هذا بحسب وصف المقريزى (أقبل الأمير قراقوش على بناء السور، وحفر في القلعة بئراً وكانت هذه البئر من عجائب الأبنية، يدور البقر من أعلاها، وينقل الماء من وسطها، وتدور أبقار أخرى في وسطها، فينقل الماء من أسفلها، وجميع ذلك حجر منحوت ليس فيه بناء. وقيل إن ارض هذه البئر مسامتة لأرض بركة الفيل، وإن ماءها كان عذباً في أول الأمر، ثم أراد قراقوش الزيادة في مائها، فوسعها، فخرجت منها عين مالحة، غيرت حلاوتها( .
ثانيا : التخطيط :
يتخذ البئر شكل المربع من الداخل منقسم الى قسمين (القسم الاول مساحة المقطع 5 امتار , القسم الثانى ومقطعه متران ونصف) و اتجاه العمق يصل الى 280قدم , ينزل اليها بسلم حلزونى , وبالقسم الاول ساقية ذات عجلات تدار بثوران ليرتفع منسوب المياة من القسم الاول بالبئر الى الساقية ثم الى ظاهر الارض عند مدخل البئر , وكذالك بالقسم الثانى يوجد ساقية فى الوسط حتى تحمل المياة من قاع البئر الى الاعلى .
حفر هذا البئر لحفاظ على منسوب مياة النيل بالقلعة حتى لا تقطع المياة من احدى جهاتها بفعل فاعل , كما يوجد صهاريج احطياتيه تمد القلعة بمياة تكفى بضعة الاف من الرجال سنة كاملة
قام ببناء قلعة المقياس بجزيرة الروضة، ثم سور مجرى العيون الذي ينقل المياه من فم الخليج حتى القلعة، وهو عمل هندسي عظيم بكل المقاييس لما فيه من دقة وحرفية هندسية عالية، ثم شرع في بناء سور عظيم يحيط بالقاهرة والجيزة، لكنه مات قبل أن يتمه، وكان قد حشد له آلاف الأسرى من الصليبيين وغيرهم من عامَّة الشعب، الذين قاموا بتقطيع أحجاره من صحراء الهرم،وهذا السور هو السور الثالث الذي أحاط بالقاهرة بعد سور جوهر الصقلي مؤسس القاهرة، وسور بدر الدين الجمالي الأمير الفاطمي، وكان السوران من اللَّبِن وليس من الحجارة كما جاء سور قراقوش..
وينقل ابن إياس عن ابن الأثير أنه "لما دخلت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، شرع الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في بناء سور القاهرة بالحجر القص النحيت، وأبطل السور الذي كان بناه جوهر القائد، سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان بناه بالطوب اللبن في دولة الفاطميين.. ثم جعل دوره ثلاثًا وثلاثين ألف ذراع بالعمل، وجعل في هذا السور أحد عشر بابًا، غير الأبواب الصغار، وكان القائم على بناء السور الأمير بهاء الدين قراقوش".
وقد شمل هذا السور عدة مراحل.. فأقام قراقوش قطعة من السور الغربي؛ وهي الممتدة من النهاية الغربية لسور بدر الجمالي البحري ومتجهة نحو الجنوب إلى باب القنطرة؛ الذي أنشأه صلاح الدين في السور الغربي المذكور تجاه باب القوس؛ الذي كان يعرف بباب الرماحين. ثم رأى أن يزيد في سور المدينة البحري ومده إلى الغرب وبيني سورها الغربي على النيل بدلاً من الخليج؛ وذلك لكي يدخل في السور القسم الذي استجدَّ خارج القاهرة في الجهة الغربية منها بين الخليج والنيل، ولكي يُنَفِّذ هذا المشروع أوقف بناء السور الغربي على الخليج بعد باب القنطرة، وفي سنة 569هـ شرع بهاء الدين قراقوش في مدِّ السور البحري من باب الشعرية إلى البحر بالمقسي، وأتمه فعلاً، وأراد أن يبني السور الغربي للقاهرة على النيل من باب البحر إلى فم الخليج ليوصل سور القاهرة بسور مصر القديمة؛ ولكن وفاة صلاح الدين حالت دون ذلك.
سور عكا: فقد استردَّ صلاح الدين عكا بعد بيت المقدس من أيدي الفرنجة، وتهدَّم سور المدينة من الحصار، وترك لقراقوش مهمة إعادة بناء السور المتهدم، ومضى ليحرِّر الحصون الأخرى من الفرنجة، وعكف قراقوش على عمله بجد وشغف وبعزيمة ومضاء، وهو يدرك أهمية هذا العمل في تحرير الأرض العربية من أيدي المغتصبين؛ ولكن الفرنجة في محاولة يائسة، قرروا لمَّ شتاتهم في المنطقة والقيام بعملية التفاف حول قوات المسلمين، وحاصروا عكا حتى يشتتوا تركيز صلاح الدين، واستمر الحصار عامين، وقراقوش يقود المقاومة والصمود داخل المدينة المحاصرة، حتى غلبهم الجوع والوباء وإمدادات الفرنجة التي أتت من البحر، لتقع عكا في أيديهم، ويقع من فيها أسرى وقتلى وجرحى، وأُسِرَ قراقوش نفسه حتى أُفرج عنه في الصلح في 11 شوال سنة 588هـ= (1192م)...
وبعد وفاة صلاح الدين، عمل قراقوش في خدمة العزيز، فكان يُنيبه على البلاد عند خروجه للقتال، كما كان يفعل أبوه صلاح الدين.. وقد أحبط مؤامرة العادل لخلع العزيز بالله بالاتفاق مع قائد أكبر قوات العزيز؛ وهو حسام الدين أبو الهيجاء السمين زعيم الأسدية الذي انسحب بقواته من الشام وكشف ظهر العزيز بالله؛ ولكن قراقوش أحبط محاولة الانقلاب على العزيز بالقاهرة، وأخمد عزم بقية القوات بالانضمام لحركة السمين؛ وسهل عودة العزيز إلى القاهرة.
وبعد وفاة العزيز تولَّى المنصور وسنه تسع سنوات، أصبح قراقوش وصيًّا على العرش، وعندما انقسم الصلاحية والأسدية، واستعانوا بالملك الأفضل عم المنصور، تنازل قراقوش له عن الوصاية.. ولكن مؤامرات العادل استمرت، وظلت أطماعه في الشام صوب عرش القاهرة سادرة، وعزم على الإغارة على القاهرة، فلما تبين الأفضل أطماع عمه العادل، جمع قواده وعرض عليهم الأمر، فقال له الأمير بهاء الدين قراقوش في تصميم: "لا تخف يا مولاي، فنحن جندك وجند أبيك من قبلك، مرني أحفظ لك قلعة الجبل، ثم مرني أحفر لك ما بقي من سور البلد، ثم مرني أتعمق الحفر، حتى أصل إلى الصخر، وأن أجعل التراب على حافة الحفر؛ فيبدو كأنه حائط آخر، ودعني أفعل ذلك فيما بين البحر وقلعة المقسي، وبذلك لا يبقى لمصر طريق إلا من بابها الذي يصعب أن يفتحه العدو".
ولكن العادل استولى على مصر، وفر الأفضل من وجهه إلى الشام، وخلع العادل المنصور ونصب نفسه واليًا، وخطب له...
وتواري قراقوش في الظل حتى توفي في مستهل رجب سنة 597هـ (1200م) بعد حياة حافلة بالعطاء والإخلاص..

هناك تعليق واحد:

المتابعون