كانت الدنيا بالنسبة له بستان فسيح يحوى كل الأزهار الجميله فى اللون .... الساحره فى الرائحه ....الرائعه فى تناغم الألوان وتناسقها . لم يدر بخلده أبداً أن خلاف هذه الأزهار الجميله فى اللون والرائحه والتناغم يوجد الشوك الذى لا يرحم أنامل صغيره أو كبيره ... لا يُفرّق بين متودّدٍ للأزهار
وبين مغتصب لها .
كان يرى وهو فى كنف والديه أن السعاده قابعه فى منزلهم وحدهم ، وأنها تظهر فى أزهى أشكالها طالما كان بين أب عظيم مُهاب ذو شخصية يحترمها الجميع ويُقدّرها وذو قلب حنون أرق من قلب عصفور .. لكنه من النوع الذى لم يكن يُفصح عن ذلك الحنان إلاّ بالأفعال والتصرفات التى تؤكّد دائماً عشقه لأسرته وحنانه عليهم .
أما الأم فكانت عبارة عن ملاك على الأرض إمرأة بسيطه قرويه بها ملامح الريف القديم الذى كنّا نقرأ عنه فى قصص الأديب ثروت أباظه ، لا تعرف أمور الخبث والدهاء التى كانت تتطبّع بها بعض النساء فى ذلك الوقت ، هى شفافه جداً مُفرطه جداً فى مشاعرها وحنانها ، دموعها قريبه جداً لا تحتمل ألم مخلوق أمامها ، لا تحتمل قسوة أحد حتى ولو أن هذه القسوة لن تصيبها بشكل مباشر .
واعتاد هو أن تكون والدته هى صديقه الأول فى الحياه ، كل شىء كان يخبرها به ، حتى علاقاته بأصدقاءه وتصرفاتهم معه ، بل الأكثر من ذلك حين بدأت فحولة الشباب تطغى عليه وبدأت تجذبه وجوه الفتيات وجمالهن لم يُخبىء تلك الأشياء الصغيره عن والدته وكان يستمع لنصيحتها التى كانت دائماً فى صالح الخير والضمير .. لم تكن تأخذه بالشدّه فتنفّره بل كانت تتجاذب معه الحديث كما يتجاذب الأصدقاء وتحاول إقناعه بالصواب وكانت تنجح دائماً فى ذلك .
ومما يذكره أيضاً حينما كان بالجامعه وكانت والدته تضع ( وعاء الخبز المحمّص ) أسفل سريره فإذا ما شعر بالجوع أثناء سهره فى المذاكره أخذ بعض كسرات الخبز المحمّص وتناولها بتلذّذ وسعاده فتسمعه والدته وهى فى طريقها إلى المطبخ لتشرب أو ما شابه وتدخل عليه لتطمئن عليه وتجده يشاهد التلفاز ويتناول كسرات الخبز المحمّص ويذاكر دروسه فى آن واحد فكانت تقول له بحنو بالغ :
هو انت ؟ أنا قلت مين الفار اللى بياكل العيش دلوقت ؟ وتضحك بطيبة وبراءة جميله وساحره
والمدهش أكثر حين تدخل ويكون فى التلفاز فيلماً عربياً قديماً عن أهل الريف فكانت تقف قليلا متعلّله بالحديث معه ثم تدريجياً تجلس إلى حافة سريره وهى منجذبه إلى أحداث الفيلم وبين رغبة فى المشاهده وتمنّع حتى لا تُغضب والده بغيابها عنه تكون لحظات فى منتهى الروعه تصوّر مدى طيبة هذه السيّده وبراءتها .
ولكن لا تدوم الأحوال أبداً خاصة الأحوال السعيده ، توفيت الأم وتوفى بعدها الأب وانطلق هذا الصغير الذى شبّ فجأه فى دروب الحياه يأخذ منها صفعات تلى صفعات ... وتكالبت عليه الحياه بصوره لم يتوقعها أبداً حتى من أقرب الناس إليه ، ووجد نفسه هَرِماً فى غمضة عين وانتباهتها ، ضاعت منه سنوات عمره ، وانسرقت أحلامه ، وطيح بكل شىء .. حتى الحب الذى ظن فى يوم من الأيام أنه إمتلكه لم يهنىء به ... ووجد نفسه مسئولاً عن أشخاص غيره مسئولاً عن أحلامهم وعن راحتهم وعن سعادتهم وهو الذى لم يعش هذه الراحه ولا هذه السعاده ولا تحققت له أحلام .
شىء عجيب أن يكون للقدر هذا الحكم الغريب عطاءٌ بلا أخذ ... منح بلا مقابل ... حب بلا هناء .
دارت الأيام وانطوى منها الكثير وها هو الآن يقف على قبر والده ووالدته يسترجع معهما الذكريات ويشكو إليهما ما أصابه بعدهما ، ويتدحرج كثيرٌ من الدموع وهو ينظر إلى القبر ويتخيّلهما أمامه وهما يشاركانه ألمه ووجعه ولكن فى هذه المره لا يفعلا أى شىء سوى نظرات الحزن والحنان التى تكسو ملامحهما .. ما أبشع الحياة بغير من نحب ؟ ما أقسى الأيام حين نحياها بدون أمل أو رجاء فى أى تغيير لأظافر أدمنت الحفر فى أجساد أنهكها الظلم والقهر والعدوان .
ما عادت الحياة بستان كبير كما كان يراها سابقاً بل أصبحت واحة جرداء تحوى كل الوحوش المرئيه والمخفيه .. لا مكان فيها لبراءة الصغار ولا لقلوب العصافير .
ليتنى ما كبرت ... وليتهما ما رحلا ... وليتنى ما بقيت بعدهما وحدى ... فكم تقسو الحياةُ على قلوب العصافير التى ما تعلّمت أن تعيش بين الوحوش بقلوب الأفاعى .
وبين مغتصب لها .
كان يرى وهو فى كنف والديه أن السعاده قابعه فى منزلهم وحدهم ، وأنها تظهر فى أزهى أشكالها طالما كان بين أب عظيم مُهاب ذو شخصية يحترمها الجميع ويُقدّرها وذو قلب حنون أرق من قلب عصفور .. لكنه من النوع الذى لم يكن يُفصح عن ذلك الحنان إلاّ بالأفعال والتصرفات التى تؤكّد دائماً عشقه لأسرته وحنانه عليهم .
أما الأم فكانت عبارة عن ملاك على الأرض إمرأة بسيطه قرويه بها ملامح الريف القديم الذى كنّا نقرأ عنه فى قصص الأديب ثروت أباظه ، لا تعرف أمور الخبث والدهاء التى كانت تتطبّع بها بعض النساء فى ذلك الوقت ، هى شفافه جداً مُفرطه جداً فى مشاعرها وحنانها ، دموعها قريبه جداً لا تحتمل ألم مخلوق أمامها ، لا تحتمل قسوة أحد حتى ولو أن هذه القسوة لن تصيبها بشكل مباشر .
واعتاد هو أن تكون والدته هى صديقه الأول فى الحياه ، كل شىء كان يخبرها به ، حتى علاقاته بأصدقاءه وتصرفاتهم معه ، بل الأكثر من ذلك حين بدأت فحولة الشباب تطغى عليه وبدأت تجذبه وجوه الفتيات وجمالهن لم يُخبىء تلك الأشياء الصغيره عن والدته وكان يستمع لنصيحتها التى كانت دائماً فى صالح الخير والضمير .. لم تكن تأخذه بالشدّه فتنفّره بل كانت تتجاذب معه الحديث كما يتجاذب الأصدقاء وتحاول إقناعه بالصواب وكانت تنجح دائماً فى ذلك .
ومما يذكره أيضاً حينما كان بالجامعه وكانت والدته تضع ( وعاء الخبز المحمّص ) أسفل سريره فإذا ما شعر بالجوع أثناء سهره فى المذاكره أخذ بعض كسرات الخبز المحمّص وتناولها بتلذّذ وسعاده فتسمعه والدته وهى فى طريقها إلى المطبخ لتشرب أو ما شابه وتدخل عليه لتطمئن عليه وتجده يشاهد التلفاز ويتناول كسرات الخبز المحمّص ويذاكر دروسه فى آن واحد فكانت تقول له بحنو بالغ :
هو انت ؟ أنا قلت مين الفار اللى بياكل العيش دلوقت ؟ وتضحك بطيبة وبراءة جميله وساحره
والمدهش أكثر حين تدخل ويكون فى التلفاز فيلماً عربياً قديماً عن أهل الريف فكانت تقف قليلا متعلّله بالحديث معه ثم تدريجياً تجلس إلى حافة سريره وهى منجذبه إلى أحداث الفيلم وبين رغبة فى المشاهده وتمنّع حتى لا تُغضب والده بغيابها عنه تكون لحظات فى منتهى الروعه تصوّر مدى طيبة هذه السيّده وبراءتها .
ولكن لا تدوم الأحوال أبداً خاصة الأحوال السعيده ، توفيت الأم وتوفى بعدها الأب وانطلق هذا الصغير الذى شبّ فجأه فى دروب الحياه يأخذ منها صفعات تلى صفعات ... وتكالبت عليه الحياه بصوره لم يتوقعها أبداً حتى من أقرب الناس إليه ، ووجد نفسه هَرِماً فى غمضة عين وانتباهتها ، ضاعت منه سنوات عمره ، وانسرقت أحلامه ، وطيح بكل شىء .. حتى الحب الذى ظن فى يوم من الأيام أنه إمتلكه لم يهنىء به ... ووجد نفسه مسئولاً عن أشخاص غيره مسئولاً عن أحلامهم وعن راحتهم وعن سعادتهم وهو الذى لم يعش هذه الراحه ولا هذه السعاده ولا تحققت له أحلام .
شىء عجيب أن يكون للقدر هذا الحكم الغريب عطاءٌ بلا أخذ ... منح بلا مقابل ... حب بلا هناء .
دارت الأيام وانطوى منها الكثير وها هو الآن يقف على قبر والده ووالدته يسترجع معهما الذكريات ويشكو إليهما ما أصابه بعدهما ، ويتدحرج كثيرٌ من الدموع وهو ينظر إلى القبر ويتخيّلهما أمامه وهما يشاركانه ألمه ووجعه ولكن فى هذه المره لا يفعلا أى شىء سوى نظرات الحزن والحنان التى تكسو ملامحهما .. ما أبشع الحياة بغير من نحب ؟ ما أقسى الأيام حين نحياها بدون أمل أو رجاء فى أى تغيير لأظافر أدمنت الحفر فى أجساد أنهكها الظلم والقهر والعدوان .
ما عادت الحياة بستان كبير كما كان يراها سابقاً بل أصبحت واحة جرداء تحوى كل الوحوش المرئيه والمخفيه .. لا مكان فيها لبراءة الصغار ولا لقلوب العصافير .
ليتنى ما كبرت ... وليتهما ما رحلا ... وليتنى ما بقيت بعدهما وحدى ... فكم تقسو الحياةُ على قلوب العصافير التى ما تعلّمت أن تعيش بين الوحوش بقلوب الأفاعى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق