الجمعة، 2 يونيو 2017

صديقي اللغز ,,, قصة قصيرة للكاتب / محمود عبدالمتجلي عبدالله


قصه قصيرة
_________________
صديقى اللغز
_______________
كنت فى سجن الاستئناف فى عام 1983 أثناء محاكمتى فى احدى القضايا الدينية أثناء النظر فى قضيه تنظيم الجهاد عام 1981.
كنت مع بعض الإخوة نقطن فى الطابق الثانى الذى به غرف المحكوم عليهم بالإعدام وفى ذات ليله وفى منتصف الليل سمعنا صوت صراخ شديد فى الغرف التى بجوارنا فنظرت من فتحه صغيره توجد فى باب الزنزانة لأعرف مصدر الصوت من اى غرفه ودام الصراخ فتره طويلة ثم سكت وفى الصباح كان أول ما فعلته ان بحثت عن مصدر الصراخ الذى سمعته ليله أمس فنظرت من فتحه باب الغرفة التى صدرت منها الصوت.
فإذا بى أرى شاب يجلس على الأرض مظهر جسده مجسم بالعضلات ويرتدى شورت فقط وكان من النوع الراقى وكان عارى الجسد شعره يتدلى على كتفه وهو غير مرجل له لحيه سوداء بلون شعره وكان هذا الشاب فى العقد الثالث من عمره ونظرت حوله فى الزنزانة فلم أرى له متاع من فرش أو ملابس أو غير ذلك من أشياء وقد حاولت ان الفت نظره بان طرقت على باب الزنزانة حتى ينظر تجاه الباب وأحدث صوتا حتى ينتبه من مكانه ويتسم على وجهه حزن شديد وحيرة لا اعرف سببها أشير إليه من النافذة التى فوق الباب والتى سدت بشبكه من السلك الحديد وبعد فتره غير قصيرة من المحاولات بدء يرفع بصره وينظر الى يدى التى ألوح بها إليه وحمدت الله على إن رانى. فأردت ان اعرف هل هو سجين عادى أم هو مسجون سياسى متدين مثلنا . فأخرجت مصحف صغير من جيبى ولوحت به إليه بعد ان رأى اشاره يدى وبالفعل رايته يزحف تجاه الباب رافعا يدى باتجاه المصحف وهو ينظر إليه بتلهف واشتياق فعرفت انه متدين ومن المؤكد انه احد الإخوة الذين لم اعرفهم ولكن كنت اعرف كل من فى السجون فى ذلك الوقت لأنه لم يبقى فى المعتقلات فى هذه الاونه الى نحن الذين نتحاكم فقط وجميعهم اعرفهم لأننا نتقابل كل يوم فى قاعه المحكمه وهذا الشخص ليس ممن اعرفهم ولكنى توقعت انه يكون مقبوض عليه حديثا أو ربما يكون مقبوض عليه من بلد أخرى والمهم انه أصبح أمره يهمنى فالقيت له المصحف فأخذه وقبله وفرح به فذهبت الى جاويش الطابق وكان بينى وبينه شيء من التفاهم وكنا وقتها نتعامل معامله حسنه غير أوقات التحقيقات الأولى فطلبت من الجاويش انه يفتح لى زنزانة هذا الشاب لأجلس معه واعرف ظروفه.فستجاب لى الجاويش وفتح زنزانة الشاب وتركنى وذهب. فدخلت على ذلك الشاب اللغز رايته ينفر منى ويبتعد عنى وهو فى خوف وزعر شديد . إلا اننى ابتسمت فى وجهه وأشرت له المصحف الذى بيدى وأشرت له على نفسى . ففهم اننى الذى أعطيت له المصحف فاطمئن لى ونظر لى المصحف وابتسم وهو يحتضنه بين يديه الى صدره.
فعلمت من تصرفاته انه لا يستطيع الوقوف على قدمه فهو مشلول وكذلك لا يسمع ولا يتكلم فأصبحت فى حيره من امرى كيف أتعامل معه كيف استفهم منه عن حاله. فذهبت الى زنزانتى وأحضرت دفتر وقلم وبدأت اكتب له عده اسئله بعد ان عرفت انه يعرف القراءة والكتابه عندما قدمت له الورقة والقلم فهز راسه بأنه يعرف القراءة وكانت اسئلتى له بسيطة مثل ما اسمك ومن اين أنت وما قضيتك التى سجنت من اجلها ولكنه نظر الى الاسئله فى حيره ولم يكتب اى اجابه وهو يحاول ان يجد إجابات فى ذهنه ولكنه فشل فازدادات حيرتى ولقد عرفت انه فاقد الذاكرة أيضا عندما اخذ ينظر الى الاسئله وهو يلوى شفتيه فى محاوله تذكره اسمه وعندما فشل حرك يده وامسك القلم والورقة وكتب لا أتذكر شيئا ولا أدرى اى شيء وكان جو الزنزانه مملوء برائحة كريهه نفاذه تحرق العينين وذلك نتيجه التبول والتبرز على أرضيه الزنزانه فأحضرت اثنين من المساجين الجنائين وحملوة الى دورة المياه والحمامات وقمت باغتساله بالليفه والصابون جئته بملابس داخليه جديدة وقميص ابيض وقام بترجيل شعره ولحيته فأصبح فى هيئه جميله ووقورة.
وفى نفس وقت استحمامه كنت قد كلفت اثنين من المساجين الجنائين الذين يعملون باجرة داخل السجن بغسل زنزانته وتنظيفها وتهويتها من الرائحه الكريهه وأحضرت له مرتبه وبطانيتين. وقد فعلت كل ذلك معه وأنا مازلت لم اعرف عنه اى شيء وما زالت علامات استفهام كثيره بل كانت تكبر تلك الإلغاز يوما بعد يوم .
فقد اكتشفت انه لا يمتلك حاسة الشم عندما أحضرت له عطور ووضعته له ومن قبل كانت زنزانته مليئة بالرائحة الكريهه فلم يفرق بينهما وكذلك اكتشفت انه فاقد حاسه التذوق فى الطعام وذلك عندما أحضرت له الطعام وكان فيه من الفاكهة والفلفل الأخضر الحراق ولا يعرف الحلو من المر الحارق وهكذا أصبح هذا الرجل مجموعه من الإلغاز وعلامات الاستفهام المحيرة فهو امامى مصاب بالشلل وبفقدان الذاكرة وبالصمم والبكم وبفقدان حاسه الشم وبفقدان حاسه التذوق وما زالت لم اعرف عنه اى شيء ووقفت أمام كل هذه العلامات ؟؟؟ وأمام وسامته وتقسيم جسده بالعضلات التى تدل على انه رياضى وعلى نوع الشورت الذى كان يلبسه ولكنى ذهبت الى الجاويش وسألته عنه فقال انه لا يعرف عنه اى شيء استدل به عليه إلا انه قال انه قدم مع نزيل آخر حضر معه وهو يقطن فى الطابق الأول من السجن ولكنه لم يعرف اسمه أو فى اى الزنازين هو فناديت على سجين بالطابق الأسفل وقلت له هل عندكم نزيل جاء بالأمس فقال سوف ابحث فقال هذا هو من حضر بالأمس ياعم الشيخ .
فسالت الرجل هل حضر معك شخص آخر فقال نعم كان معى رجل ومحمول لا ادرى اين ذهبوا به فقلت له هل كان معه اى متعلقات خاصة به فقال نعم معه كرتونه له وقد حضرنا أنا وهو من سجن ليمان طره . فقلت له أرسل لى هذه الكرتونه فى أسرع وقت فأرسلها فأخذتها وأحضرتها عند الرجل اللغز وقلت له هل هذه الأشياء خاصة بك. وذلك بالكتابة فكتب لى لا ادرى فوجدت بداخل الكرتونه بعض المتعلقات وبعض الكشاكيل المكتوبة فيها .فأخذت معى تلك الأوراق المكتوبة الى زنزانتى ومكثت طول الليل وأنا ابحث فيها عن اى معلومات تفيدنى عن هذا اللغز وبالفعل لقد كانت هذه الأوراق المكتوبة هى التى بها جميع الحلول لكل الإلغاز . لأنها كانت عبارة عن مرجع لمذكراته التى فقدها قبل ذلك فى بداية دخوله السجن منذ عده شهور . وأخذت بعض هذه المعلومات وكتبتها له فى محاوله حفظ بياناته ومعالجته مما أصابه.فقد كان السبب فى كل ما هو فيه عبارة عن صدمه عصبيه شديدة أفقدته جميع حواسه فأخذت اكتب له بياناته من جديد وأقوم بتحفيظها له مثل اسمه وعنوانه والقضية التى جاء فيها فحفظ هذه البيانات من جديد وقد كانت قصته .
انه دخل السجن فى قضيه تموينية بدل من صاحب المحل عندما باع لأحد مفتش التموين سلعه بأكثر من ثمنها فقبض عليه بدل من صاحب المحل وحكم عليه بعام سجن فكانت صدمه ان دخل السجن ظلما .
ففقد جميع حواسه خلال فتره وجوده فى سجن ليمان طره كان يوجد بعض إخواننا الذين يتحاكمون معنا هناك ومنهم أخ طبيب مشهور فقام بمعالجته وكانت وسيله التفاهم بينة وبين الأخ الطبيب هى هذه الكشاكيل التى عندى والتى عرفت منها كل ما حدث له وبعد ان شفى على يد الأخ الطبيب فى سجن ليمان طره كان يقوم على خدمه هؤلاء الإخوة الذين كانوا سببا فى شفاءه وخاصة بعد ان عرف أنهم أصحاب فكر وأنهم على حق ولا يريدون إلا نصره الله وحينما علم ضابط السجن بذلك حذروه إلا يتعامل مع الإخوة من قريب أو من بعيد ولكنه رفض التحذير وأصر على خدمه الإخوان المشايخ هناك فقام الضابط بضربه حتى يكون عبره لباقى المساجين كى لا يتعاملوا مع السياسيين ولا يخالطوهم فما كان من هذا الشاب إلا ان ضرب الظابط بزجاجه محلول فأصابه فى راسه ونزف الدم من راس الظابط مما جعل اداره السجن تنهال عليه ضرب حتى فقد الوعى وقد قاموا بتغريبه الى سجن الاستئناف وبعد ان أفاق عرف ما أصابه فأصيب بنفس الصدمة العصبية السابقة مرة أخرى فقمت بعلاجه بنفس الطريقة التى استخدمها الشيخ الطبيب من قبل فكان فى ذلك شفاءه والحمد لله ولكن بعد جهد كبير استمر ثلاثة أشهر وصارت بينى وبين ذلك الرجل اللغز صداقه كبيره وحميمة حتى انه اهدانى عقد مصنوع من الخرز وفصوص الزجاج الملونة بقى معى الى ان أهديته بعد خروجى لزوجتى يوم عرسى . 
________________________________
بقلم/محمود عبدالمتجلى عبد الله. 
_

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون