السبت، 2 نوفمبر 2019

طفلتان ... قصة قصيرة بقلم الأديبة التونسية / وفاء الرعودي

قصّة بعنوان

طفلتان

على وقع حذاء نسائي ّمتعجرف انتبه الأطفال للقادمة، معلّمة العربية ذات العينين الجاحظتين والشعر البنّي الأشعث صرخت:{ هدوء !هدوء!}

أطاع الأطفال وبراءتهم تستغرب في نفور قسوة الصّوت الصّارخ الطالب من دعة الأطفال الهدوء!..

اليوم امتحان المحفوظات هذا ما سمع التلاميذ الصغار من الكيان الضّخم الّذي غرق في الكرسي وسحب نحو بطنه الطاولة وقرّب منه المحفظة الكئيبة ليخرج دفتر الأعداد.

اختلفت حركة الاطفال لكنها اشتركت في نفس الإحساس الرّهبة والفزع حتى من حفظ القصيدة عن ظهر قلب لم يجد في ذهنه شيئا منها انحنت رؤوس الأجساد الصغيرة أمسكت الأصابع بشدّة على أطراف الكراسات تنتظر مصيرها، كان في آخر القسم طفلتان اقتربتا من بعض في تلامس جانبي حوّلهما إلى كتلة واحدة من الخوف ! تنظران إلى المعلّمة في خلسة ثم تطأطئان راميتين بنظراتهما الى الأسفل تتمنيان أن تأتي جنّية الأمنيات الطيّبة وتنتشلهما من هذا الرعب!

وكأنّ المعلّمة استشعرت ما يجول في نفسيهما من نيّة الهروب فنادت على إحديهما :{مريم كرّاسك وإلى السبورة }لملمت مريم جسدها الصغير الذي هدّه الخوف واتجهت صوب المعلّمة ،ظلت صديقتها تتبعها بعينيها وقد تحوّل خوفها من المدرّسة خوفا على صديقتها فهي تعلم أنّها لم تحفظ القصيدة ولم تأت بكرّاسها .صرخت العنقاء في مريم عندما لم تر الكرّاس في يدها وقامت من مقعدها تنوي افتراسها بأسئلة متتالية :{أين كرّاسك ؟تكلمي! أين لسانك ؟تكلمي !استعرضي المحفظات!}

لا تجيب المعلّمة إلا عبرات صامتة تذرفها مريم التي تراجعت عندما تقدّمت نحوها المدرّسة ،نظرت مريم إليها في رجاء لكن العينين الغاضبتين لا تنظران!

كانت الطفلة الأخرى تدعو في سّرها أن يدقّ الجرس ويكف ّهذا الجحيم !لكنّ الجرس لم يدقّ إلا عندما توعّدت المدرّسة مريم بأن تعيدها إلى صف ّالثانية ابتدائي لأنّها ليست مؤهلة لأن تكون في الصفّ الثالث .صدّقت مريم الوعيد وتمنّت لو أنّ المدرّسة أشبعتها ضربا على أن تعيدها لصفّ الثانية جرجرت قدميها نحو صديقتها بكيانها الصغير الذي دمّره الرعب لتجد صديقتها بانتظارها تحمل لها محفظتها ،لم تنطقا كلمة فقط دموعهما تنهمر خطواتهما تخرجان من جحيم القسم ليتّسع الطريق لحزنيهما أمسكتا جيدا ببعضهما والأفكار تعبث بعقليهما الصغيرين :هل ستعود مريم حقا الى صفّ الثانية وتتركني وحدي؟ كانت مريم في نفس اللّحظة تسأل هل سأعود إلى صفّ الثانية بعد أن ارتقيت إلى صف ّالثالثة لأنني لم أحفظ القصيدة ؟ماذا أقول لأبي ؟سوف تبكي كثيرا والدتي !وصديقتي؟ هل سأكون دون صديقتي؟

وبينما الصديقتان تتعذبان بالأفكار قطعت سيّارة سريعة كلّ الأسئلة كادت أن تتناثر الطّفولة مع شظايا الخوف لكنّ البنتين لوهلة انكمشتا من الرّعب ثمّ أغرقتا في الضّحك ...


بقلم وفاء الرعودي/ تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون