الخميس، 28 نوفمبر 2019

إنعتاق ... كلمات الشاعرة التونسية / وفاء الرعودي

نص بعنوان

انعتاق

رميت قطار الزّمان

بصندوق قديم لطفل سئم ألعابه

وجّهت بوصلة القلب نحو السّماء

كنت كزهرة عبّاد شمس

ألتفت للوجوه المضيئة من بعيد

كان يلزمهم الكثير من المساحيق

ليصنعوا وجوههم

وكان يلزمني أن أغادر طواويسهم

حتى لا يخنقني خلّب الألوان

أقدامهم بوقع حديدي

يزعج أذن الأرض

كنت أشاركهم نشيد الاختناق

وأنا أحثّ الخطى على دروبهم اللاهثة

وأعترف أنّهم كانوا بارعين وكنت فاشلة

تركتهم يتنافسون أيّهم الأفضل

في وضع السّاق على السّاق

والقلب داخلهم منكفئ على وجهه

أيهم الأكثر أناقة في عجرفة المشاعر

كنت أنهر سرّي حين يسمع كلماتهم

أن يشبهها بأموات على بركة راكدة

حاولت أن أتعلّم مكرهم

وكنت أسقط في هاوية انعدام التّواصل

حذّرت روحي من نورهم الاصطناعيّ

الذي يمكن أن ينقطع في أيّة لحظة

وأنّ التعامل معهم مشي على حبال بين قمتي هيمالايا

لا تفكّ حبالهم ولكن تدكّ حقيقتهم الزائفة

هربت لركن أنساب جدولا للّحظات جديدة

اندسست بين براءة أطفالي وحلّقت

لكنهم سمعوا رفيف أجنحتي

فزحفوا نحو صعودي يطالبونني بالحضور الفوريّ

انزلقت في لزوجة افتقادهم لي

زجرت هوبز وقلت له أنت الذئب

فليس الإنسان ذئب أخيه

عاندت هيجل

أبدا أن تكون خطوة الأمام لغيري

خطوة لورائي

وكخيبة السّنابل في عناق المناجل

كان سبيلي إليهم

رجعت إلى صخورهم الخضراء كسجّادة منافق

استشعرت تواصلا حيّا كان بعده الموت المباغت

سرعان ما يذوب طلاء الإنسان

عن ذواتهم المتكلّسة

تعلّمت حينها أن أمرّ بجدران كياناتهم

جدارا مثلهم

تعلّمت أن أرجع إليهم بضاعتهم

لكنّ مرآتي لم تعد تريني نفسي

خلعتهم عن اهتمامي

بحثت عن منافذ نوري

حضنت نفسي كثيرا

عزّزت احترامي لها

تركتهم على عتبات روحي

وانسبت مع صفائي

صرت حين أخرج إليهم

أنثر عليهم مودّتي دون ضغينة

لكني لم أعد أُلْدَغ ُ مرّتين


بقلم وفاء الرعودي/تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون