الأحد، 3 نوفمبر 2019

الضرائب بين الأخلاق والواجب ... بقلم الأستاذ / صابر محمد عبدالعزيز

الضرائب بين الأخلاق والواجب...؟! 

بقلم صابر محمد عبدالعزيز الكاتب والباحث في التاريخ الإسلامي وعضو ائتلاف فرسان القلم.
إن من كمال الشريعة الإسلامية وعظمتها ، أنها إذا أمرت بشيء قدمت له ما يعين علي فعله ؛ لأنها سببا في ينبوع الخير ، آمرة بالخير آناء الليل وأطراف النهار .
ومازالت العدالة التي جاء بها الإسلام في جملة تشريعاته أساس العلاقات الإنسانية بين جميع البشرية والتقدم نحو التنمية في مختلف المجالات .
إن المزايا العامة التي تميز بها التشريع الإسلامي عن التشريعات الوضعية شملت كل مجالات الحياة ؛ فعلوية المصدر في التشريع الإسلامي سببا في تفوقه واستمراره علي سائر التشريعات الوضعية .
قال الله ﷻ في كتابه العزيز " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" سورة الأعراف الآية (54) .
ولما كانت صبغة الإسلام عالمية ؛ جاءت النصوص التشريعية صالحة لكل المجتمعات والجماعات البشرية خاصة بمن آمنوا بالإسلام وارتضوه منهج حياة ، فلقد ظهر لنا مطلقية التصور الإسلامي في الزمان والمكان والموضوع ، وهذا بخلاف ما يتسم به نطاق التصور الوضعي من محدودية الزمان والمكان والموضوع .
قال الله ﷻ في كتابه العزيز " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " سورة الشورى الآية (13)
إن فتنة المال من الفتن العظيمة التي وقع فيها الناس فعن كعب بن عياض – رضي الله عنه - قال سمعت النبي ﷺ يقول إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال " رواه الترمذي و البخاري .
لقد توالت تطورات الإقتصاد الإنساني وانظمته المختلفة ، وكثرت حركة الإنسان وتعاظمت ثروته ؛ وزادت الفوراق بين الطبقات حتي وصل بعضها إلي الثراء الفاحش ، وأصبح القانون وسيلة جديدة ترسم حدودا وعلاقات .
وهنا أري من الضروري أن أشير إلي مصطلحات هامة وهي ذات صلة بما سبق ذكره .
الضرائب وهي عبارة عن مساهمة مالية إلزامية يتم فرضها علي الأشخاص والأنشطة والخدمات والسلع بهدف دعم الحكومات للخدمات التي تقدمها للمجتمع عامة وهذا الضرائب تفرض عن طريق السلطة التنفيذية في البلاد مع بعض الجهات الأخرى ، وقديما ظهرت الضرائب في المجتمعات الرومانية واليونانية القديمة ، وكذا المجتمع المصري القديم وبلاد فارس .
الجزية وهي ضريبة إسلامية سنوية ، كانت تفرض علي غير المسلمين وهؤلاء يعرفون " بأهل الذمة " .
قال الله ﷻ في كتابه العزيز " حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ " سورة التوبة الآية (29) . وأصبحت الجزية عقدا بين المسلمين والشعوب الغير مسلمة التي دخلت في رعايتها وحمايتها ، فأصبح لهم مال للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين .
الزكاة هي فريضة شرعية وركن من أركان الإسلام الخمس ، وحق معلوم فرضة الله في أموال الأغنياء للفقراء ، ولها مصادرها ومصارفها المحددة شرعا ، والزكاة عبادة مثل باقي العبادات .
قال الله ﷻ في كتابه العزيز " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " سورة التوبة الآية (60) .
وقال رسول الله ﷺ " عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا " متفق عليه .
ومن الجدير بالذكر أن الضرائب عامة في اصلها فهي تشمل كل شئ وعلي كل شئ فلا فرق بين غني وفقير فهي تساوي بين الناس ولا شأن لها بأرزاقهم .
ام الجزية فليست عامة علي كل غير المسلمين ، بل هي علي كل من كان قادرا علي حمل السلاح من الرجال عند أهل الذمة ، فلا تجب علي المرأة والصبي والعجوز والأعمى والفقير والمجنون والراهب المنعزل للعبادة ، قال رسول الله ﷺ " أيها الناس عليكم بالقصد فإن الله تعالي لا يمل حتي تملوا " أخرجه الهيثمي في موارد الظمآن {651} والسيوطي في جمع الجوامع {9609} .
أم الزكاة فهي تأخذ من الأغنياء للفقراء ، وليس هذا فحسب بل هناك ضوابط للزكاة أساسها بلوغ النصاب أو ما يعرف " بحد الزكاة في الأموال وخلافه .
فالضرائب إذا ما خضعت للتصورالإسلامي أصبحت أكثر فعالية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية ، وإلا فالضرائب لا تمحو الفقر ولا تمنح طعاما ولا تمحو جهلا ولا تشفي من علة وسيظل الناس أشقياء.
لقد رفع المولي ﷻ الحرج عن الناس ودفع عنهم المشقة ، وهذا ما نلمسه في أمور العبادات والمعاملات والعقوبات ، ان التشدد والغلو يحسنه من ضاقت معارفهم وصدورهم وعقولهم بالإسلام .قال الله ﷻ في كتابه العزيز " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ ُ " سورة الحج الآية (78) .
وأما عن الضوابط المرعية في تناول جمع الضرائب في العهود السابقة فنجد السير علي الأحكام الشرعية والمقتضيات الدينية والصفات الأخلاقية من أجل تحقيق المقاصد الشرعية ، الدنيوية منها والاخروية وعلي رأسها الضروريات الخمسة { الدين – النفس – العقل – العرض – المال } .
فلو تحدثنا عن المعاملات المالية في ظل التشريع الإسلامي نجد السماحة ومحاسن الأخلاق قال الله ﷻ في كتابه العزيز " إِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ " سورة البقرة الآية (280) .
ولكن ما الذي أفضي بنا إلي حدوث اضطرابات في الصلة بين النفوس الإنسانية بعضهم البعض؟! هل أصبح من العسير علي النفوس الإنسانية أن تصدر نتاجا يتسق مع المنهج الإسلامي والصيغ المألوفة؟!أم هل دخلت الدنيا في دور جديد يختلف تماما عن السابق وما ورثناه وانتقل إلينا عن أصحاب السلف الصالح ؟!
لقد أصبح من الواجب علينا الوقوف علي ما جاء به الإسلام حتي نعرف معني الإنسانية حق المعرفة ، ومن خلالها نعترف بأن المال مجرد وسيلة وليست غاية .
وبعد هذا الطواف فإن التيسير مطلوبا في كل زمان ، وفي زماننا هذا أكثر ؛ نظرا لما نراه من تشدد وعدم رحمة بالناس حتي أصابنا ضعف اليقين وغلبت علينا الحياة المادية ؛ وأصبح القابض علي دينه كالقابض علي جمرة من نار .
واخيرا أقول وصية غالية للجميع وهي إن وجدتم للناس مخرجا من الضيق فخلوا سبيلهم فإن الناس إن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة .
وهنا أتذكر قول الله ﷻ " إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ " سورة التكوير الآية (277) .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون