لهذا السبب أَنتُم تستحقّونَ الاحترام
.........
بقلم:
رافع آدم الهاشميّ
.........
سألَني قائِلاً:
- "أَنا جَديدٌ هُنا... كيفَ يُمكِنُ أَن أَخلُقَ حالةَ تفاعُلٍ جيَّدةٍ على منشوراتي؟".
فأَجبتُهُ صادِقاً:
- أَن يكونَ الْمُحتوى مُنافِقاً كما هُم غالبيَّةُ مُجتمعاتِنا مُنافِقونَ وَ مُنافقاتٌ، أَمَّا وَ أَن يَحمِلَ الْمُحتوى رِسالَةً هادِفةً غرَضُها توعيَةُ النَّاسِ اِبتغاءَ رِضا الله، كما هُوَ حالُ مَنشوراتي، فلَن تجدَ إِلّا {قليلٌ مِنَ الآخِرين} وَ الأَكثريَّةُ جاحدونَ حاقِدونَ حاسِدون، فاختَر أَنتَ ما تشاءُ بينَ اِثنينِ: تفاعُلُهُم معَكَ، أَو تفاعُلُكَ أَنتَ لوحدِكَ معَ الله.
هكذا سأَلني زميلٌ لي في أَحدِ مواقع التواصل الاجتماعيّ عن رغبتهِ في (خلق حالةِ تفاعُلٍ جيِّدةٍ معَ منشوراتهِ) الّتي قَد أَزمعَ نشرَها مُستقبلاً هُناك!
وَ هكذا هُوَ حالُ مواقع التواصل الاجتماعيِّ، ليسَ في مُجتمعاتِنا فقَط، بل حتّى في مُجتمعاتِ الدُّنيا بجميعِ أَصقاعِها أَينما كانت، إِلَّا أَنَّهُ يبدو إِليك هُوَ في مُجتمعاتنا حصراً دُونَ استثناءٍ!
وَ مثالٌ واقعيٌّ على هذا: فالمنشورُ الّذي تكونُ صاحبتُهُ أُنثى، خاصَّةً إِذا كانت هذهِ الأُنثى قد وضعَت صورةً مُزيَّفَةً لها لامرأَةٍ جميلةٍ ذاتِ إِغراءٍ جسديٍّ مُثيرٍ، فإِنَّ التفاعُلاتَ تكونُ فوقَ مُستوى الخيالِ، حتَّى وَ إِن كانَ مُحتوى منشورها هذا تافهاً، أَو كحدٍّ أَدنى: لا يرتقي إِلى مُستوى النشرِ مُطلقاً، فما بالك بمستوى التفاعل معهُ آنذاك؟!!!
وَ المنشورُ الّذي يكونُ صاحِبُهُ ذكراً، فإِنَّ الإِهمالَ وَ التغافُلَ بعدمِ التفاعُلِ معَهُ يكونُ دُونَ مُستوى أَدنى الآمال وَ التوقُّعات، حتَّى وَ إِن كانَ مُحتوى منشورهِ هذا أَصيلاً رافِعاً دافِعاً نافِعاً، يجلبُ المنفعةَ للجميعِ وَ يدفعُ عنهُمُ الضررَ فيرفَعُهُم إِلى مستوياتٍ أَعلى في الحياة!
إِنَّ رغبتك في خلقِ حالةِ تفاعُلٍ جيِّدةٍ معَ منشوراتك، شيءٌ، وَ سعيُك الدؤوبُ في جلبِ المنفعةِ إِلى الآخَرينَ وَ دفعِ الضررِ عنهُم مِن خلالِ مُحتوى منشوراتك، شيءٌ آخَر، وَ شتَّانَ بينَ هذا وَ ذاك، لذا: ففي مواقع التواصل الاجتماعيّ لدينا..
- لا حياةَ لأَغلَبِ مَن نُنادي؛ وَ كأَنَّنا نصرخُ في مقبرةٍ للأَحياء!
وَ:
- لا أَملَ في إِحياءِ أُمَّةٍ تعيشُ على بقايا الآخَرين!
هؤلاءِ الّذينَ لا يتفاعلونَ إِلّا معَ مُحتوىً مُنافِقٍ يتماثلُ وَ يتطابقُ تطابقاً تامَّاً معَ نِفاقِهم القميءِ هذا، إِنَّما هُم مُخادِعونَ بامتيازٍ، وَ الْمُخادعونَ لا يَستحِقُّونَ الاحترام، وَ هؤلاءِ الْمُخادعونَ (وَ الْمُخادِعاتُ أَيضاً) نجدهُم بكثرةٍ متسكِّعونَ (و مُتسكِّعاتٌ) على مواقع التواصل الاجتماعيّ بشكلٍ ملحوظٍ!
هُنا، على صَفحاتِ الجرائدِ وَ الصحُفِ وَ المجلّاتِ، سواءٌ كانت إِلكترونيَّةً أَم ورقيَّةً، فإِنَّ الأَمرَ مُختلِفٌ تماماً، وَ لا يُمكِنُك إِلا أَن تجد (ين) تفاعُلاً مع مُحتواهُ في قلبك وَ عقلك معاً، حتَّى وَ إِن كانَ المحتوى يبدو لك بسيطاً في صياغةِ كلماتهِ أَو أَنَّهُ مكتوبٌ باللهجةِ الدارجة! وَ السببُ في هذا يرجعُ بالدرجةِ الأُولى إِلى شعورٍ جمعيٍّ لدى مَن يكتبونَ على هذهِ الصفحاتِ أَنَّ مُحتوى كتاباتِهم بعدَ خضوعِهِ لضمائرِهِم الحيَّةِ الأَمينةِ فَهُوَ خاضِعٌ أَيضاً لرقابةٍ إِداريَّةٍ عُليا وَ أَعلى مِنها أَيضاً، العُليا تتمثــَّلُ في إِدارةِ مسؤولي الصحيفةِ (أَو المجلّة) ذاتها، وَ الأَعلى تتمثــَّلُ في إِدارة مسؤولي الحكومة، وَ حيثُ أَنَّ مسؤولي الحكومةِ (أَيَّاً كانوا في جميع حكوماتِ البُلدان) يسعونَ سعياً حثيثاً لجلب المنفعةِ إِلى شعوبهِم وَ دفعِ الضررِ عن أَفرادِ شعوبهم هؤلاءِ؛ توخيَّاً لتحقيقِ هدفٍ نبيلٍ هُوَ الارتقاءُ بمُجتمعاتنا عبرَ نشرِ وَ ترسيخِ الوعيِّ الثقافِيِّ لدى جميعِ أَفرادِ الشَّعبِ كافَّةً، فإِنَّ مسؤولي الصُحفِ (وَ المجلّاتِ) لَهُم أُسوةٌ حسنةٌ بمسؤولي الإِدارةِ الأَعلى، وَ بالتالي: فهؤلاءِ أَيضاً يسعونَ السعيَ الحثيثَ ذاتهِ لجلبِ المنفعةِ إِلى قُرّاءِ صفحاتهِم وَ دفع الضررِ عَن هؤلاءِ القُرّاء (وَ القارئاتِ) مِن خَلالِ نشرِ مُحتوىً يليقُ بهذا السعيِّ الحثيث وَ يتوافقُ معَ هذا الهدفِ النبيل.
في مواقعِ التواصل الاجتماعيِّ، الأَمرُ معكوسٌ تماماً، هُناكَ لا تجد (ين) أَنت في غالبيَّةِ المنشوراتِ إِلّا اختلاطَ الأَوراقَ معَ بضعها البعضِ بما فيها مِنَ الفوضى الكلاميَّة البعيدةِ كُلَّ البُعدِ عن جلب المنفعةِ إِليك وَ دفعِ الضرر عنك، مِمَّا يؤدِّي بك متابعتُك تلكَ الفوضى (بطبيعةِ الحال) إِلى تضييعك جُهدك وَ وقتك وَ مالُك أَيضاً في لَغوٍ وَ لَهوٍ لا طائلَ مِنهُما أَبداً.
هُناك، الّذي يقرأُ لي ما أَكتبُ من كلماتٍ، لا يعدو أَن يكونَ واحداً مِن اثنينِ فقط، وَ أَمَّا الثالثُ فَهُوَ كالرابعِ وَ الخامسِ تماماً، ثلاثتُهم كالسادسِ وَ السابعِ وَ الثامنِ معاً، جَميعُهم يقتفونَ أَثرَ التاسعِ وَ العاشرِ بلا هَوادَة!
لذا:
- لا تُتعِب نفسك في السؤالِ عَمَّن لا يستحقُّ السؤالَ عنهُ مُطلقاً.
أَمَّا هُنا، على صفحاتِ هذهِ المنابرِ الإِعلاميَّةِ الْحُرِّةِ النزيهةِ الغَرَّاء، وَ مِنها مِنبرُنا الأَغَرُّ هذا الّذي بين يديك الآن، فالشِّعرُ شِعرٌ وَ الصحافَةُ صحافَةٌ وَ لِكُلٍّ مِنهُما كنوزُهُ الثمينةُ، الّتي ترفُدُك باستمرارٍ في عطاءَاتِها إِليك حتَّى الرمقِ الأَخير.
لذا: واظِب (ي) أَنت على أَن تكون (ين) هُنا باستمرارٍ دُونَ انقطاعٍ؛ فأَنت (قارئٌ أَو قارئةٌ) ما دُمت أَنَّك هُنا الآنَ وَ باستمرارٍ دُونَ انقطاعٍ، وَ ليس هُناك، فأَنت مِن هؤلاءِ {قليلٌ مِنَ الآخِرين}، الّذين عَلِموا: أَنَّ السواعِدَ المتكاتفة وَ القُلوب الْمُتحابَّة بإِمكانها أَن تصنعَ الْمُعجزات..
- {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}..
[القرآن الكريم: سورة المؤمنون/ الآيات (2 – 6) و (7 – 11)]
- {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلاَ يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوء الْحِسَابِ، وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}.
[القُرآن الكريم: سورة الرعد/ الآيات (20 – 24)]
لذا: اُكَرِّرُ إِليك (لا عليك) نصيحتي الّتي واصلتُ على تكرارِها مِراراً وَ تكراراً في مضانِّها ابتداءً مِن تاريخ (30/12/2008) وَ حتَّى الآنَ، أَيّ: قبلَ (12) اثني عشرَ عاماً عن يومنا هذا (14/2/2020)، فأَقولُ:
- أَصلِح نفسَك أَوَّلاً، ثــُمَّ أَصلِح مَن هُم حولك، الأَقرب فالأَقرب، فإِن أَصلحَ كُلُّ فَردٍ مِن أَفراد الشعبِ نفسَهُ، صَلُحُ الشعبُ برُمَّتهِ، وَ حوفِظَ على المنظومةِ الاجتماعيَّةِ مِنَ الانهيار.
أَمَّا هُناكَ، المنافقونَ وَ المنافقاتُ، فأُولئكَ:
- {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
[القُرآن الكريم: سورة الرعد/ الآية (25)]
فإِلى مسؤولي الإِداراتِ الأَعلى وَ العُليا وَ إِلى جميعِ كوادرنا الناشطة في منابرنا الإِعلاميَّةِ الْحُرِّةِ النزيهةِ الغَرَّاء بمَن فيهم الكاتبونَ (وَ أَنا واحدٌ مِنهُم وَ ليَ الشَّرفُ في هذا) وَ الكاتباتُ وَ المحرِّرونَ وَ الْمُحرِّراتُ وَ إِلى جميعِ قُرَّائنا وَ قارئاتِنا وَ مِنُهم أَنت، أَرفعُ قُبَّعتي تحيَّةً إِليكُم جميعاً وَ أَشدُّ بحرارةٍ أَخويَّةٍ على يَدِ كُلَّ واحدٍ مِنكُم فَرداً فَرداً وَ أَقولُ:
- لهذا السبب أَنتُم تستحقّونَ الاحترام.
لأَنَّكم أَيقنتُم وَ عَمِلتُم بما أَيقنتُم: أَنَّ حُبَّ الروحِ للروحِ يكونُ نقيَّاً طاهِراً، لا يَعرِفُ شيئاً إِلَّا رِضا الله، فَهنيئاً لَكُم وَ لي نِعمَ عُقبَى الدَّار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق