مواجهه تذوب فى زحمة التأخير / قصه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت أرتّب فى ذهنى أن هذا اللقاء هو لقائى الأخير معها ، وأننى لابد أن أنهى معها كل شىء ، كنت وأنا فى طريقى إليها أحاول إستجماع كل شجاعتى وكل تركيزى حتى أستطيع مواجهتها بما نويت عليه ولا أضعف أمام نظرات عينيها الحانيتين اللتان تنفذان إلى أعماقى وتتسرب بمشاعر الحب والشوق إلى أودية أوردتى وبحور شرايينى .
الوقت يمر والطريق مزدحم والأفكار تتصارع فى عقلى والمشاعر تتصارع فى قلبى والنبضات ثائره لا تهدأ أبداً ... كيف سأخبرها بقرارى هذا ؟ .... كيف سأنطق أمامها أننى لن أُكمل معها علاقتى بها ؟
الجو حار جداً من حولى وجهاز التكييف بالسيارة مُعطّل ... كما كل شىء مُعطّل فى حياتنا هذه الأيام .
أنا أثق فى مشاعرها نحوى وانها مخلصه جداً لى وأنها تستطيع أن تتنازل عن كل شىء من أجل أن تظل معى إلى جانبى ولو على هامش حياتى ، كانت كثيراً ما تقول تكفينى منك تلك اللحظات التى أحظى بها معك فى تليفون أو لقاء قصير بين الناس .... ومع ذلك كان هذا الكلام يؤلمنى بشدة ويشعرنى بذنب كبير
إننى لا أستطيع أن أمنحها أى شىء ، ولا أستطيع أن أمنح أى إمرأة أى شىء ، ليس لعجزى كرجل ــ حاشا لله ـ ولكن لعجزى كإنسان هزمته الحياه .... واستبدّت به وأغلقت عليه كل نوافذ السعاده .
وبينما أنا فى أفكارى حتى إنتبهت إلى أصوات السيارات من خلفى تصرخ فى كى أتحرّك خطوتين للأمام كما تحرّك الطريق أمامى ، محاوله بائسه من أصحاب السيارات للشعور بشىء من أمل وبصيص من النور فى ذلك الجمود الذى يطغى على حياتنا كلها .
ونظرت فى ساعة التليفون وتوتّرت أكثر لمرور الوقت وتأخّرى عن موعدى معها ... حتى فى لقائى بها أُشقيها وأعذبها ، لا أجد فى نفسى برغم الحب الكبير الذى أكنّه لها أى قدر من الضمير لإحساسى المميت أننى ذنب لها تحتاج الغفران منه والتوبه منه لتنصلح حياتها بعد ذلك .
كثيراً ما كانت تطلب منى فتح دفترى وقراءة ما أُخفيه عنها وأن هذا حقها فيمن تعشق أن تكون هى تابوته الذى يحوى كل أسراره وأوجاعه ، ولكن بماذا أخبرها ؟ وأى شىء أحكيه لها ؟
إنه إبتلائى وحدى وقد إختارنى الله لهذا الإبتلاء فكيف أنشر سرّى مع ربّى للناس مهما كان قدرهم عندى
لا أزعم أنى سعيد بما أنا عليه ولكنى راضياً بما أراده الله .. هو اختار سبحانه أن أعيش مع مأساة إبنى كل هذه السنوات محبوس معه فى عجزه ومقيّد بإعاقته التى أعاقته وأعاقتنى عن كل شىء .
ليس لمثلى أن يُحب ، ليس لمثلى أن يحلم ، ليس لمثلى أن يعد أحداً بأيّة وعود .
عذراً حبيبتى .. أعلم أن الحب الذى نشىء بيننا جاء فى غفوة عقل وضعف قلب جائع محروم لم يذق طعم السعاده من قبل فما أن لاحت له على وجهك الملائكى وعينيك الصافيتين حتى إندفع نحوك بكل سرعه وبكل قوة لا يعى ولا يتذكر أى شىء غير تلك السعاده التى تتلألأ أمامه وتستدعيه لها .
كنت أحتمل منك غضبك وإتهامك لى بأننى على علاقه بفتاة النادى التى رأيتها تجلس معى نتناول القهوة معاً ولم يكن بينى وبينها أى شىء تخشين منه ... وكذلك السيده التى كنت أتردد عليها لبناء شاليه لها بالساحل الشمالى وأيضاّ لم يكن بينى وبينها سوى العمل .
كانت الغيرة تأكل فى قلبِك دائماً وتطارديننى بها وتتعذبين منها وتعذبيننى بها ... وتظنين أننى كسائر الرجال لى نزوات الفرسان وأساطير الأمراء .
شىء قاس جداً حين ترى الحزن فى عين شخص تحبه وتعشقه وتعجز أن تزيل عنه ذلك الحزن وذلك الألم . .. وشىء أصعب حين تعجز عن الدفاع عن نفسك أمام من تحب ليس لأنك مذنب فعلاً ولكن لأنك إعتدت أن تضع أوجاعك كلها داخل سراديب قلبك وعقلك ووجدانك .
وأثناء كل هذه الأفكار التى صارت تتوالى على ذهنى إنفتح الطريق فجأه كما إنغلق فجأه واندفعتُ بسيارتى إلى المكان الذى ألقاها فيه وأنا أشعر بالخجل منها لكل هذا التأخير ، إنه حِملٌ ثقيل كيف سأنزعه عن كاهلى ؟ كيف سأخبرها بقرار الإنسحاب من حياتها ؟
لن أقص عليها ظروفى وواقعى الذى أًخفيه عنها ولكن سأخبرها بأى شىء آخر حتى ولو كان تشويهاً لشخصى فى نظرها ، المهم أن تخرج هى سليمه من براثن حبّى الذى لم يُعطها فى نظرى سوى الألم .
إندفعت بين الطاولات أبحث عنها حتى وصلت إلى الطاوله التى إعتدت أن نجلس عليها معاً ولكن دون جدوى فلا أثر لها ولم تتصل بى على التليفون المحمول الذى كنت أنظر إليه بين الفينة والأخرى .
وبينما أنا كذلك حتى جاء لى النادل العجوز الذى يعرفنى جيداً (عم أيوب ) فسألنى : حضرتك بتدوّر على الهانم اللى بتقعد مع سيادتك هنا ؟
فأجبته بنعم ألم تحضر اليوم ؟ ... فرد الرجل العجوز بنظرة لوم لى لا يا باشمهندس جت واستنت كتير بس حضرتك أخّرت جامد ومِشْيت .
وشعرت بكثير من الأسف فحتى النادل العجوز يعلم أننى أحضر دائماً متأخّراً فى كل شىء ، أنطق بالكلمه بعد أوانها .. أعبّر عن داخلى بشىء من التقصير .
كنت أرتّب نفسى لهذا اللقاء وبذلت جهداً كبيراً فى إعداد أكثر من سيناريو لهذا الحوار ولكن لم يدر بذهنى أبداً أننى لن أقابلها هذه المره وأن قرار المواجهه قد تأخّر بيننا ليعانى كل منّا وقتاً جديداً لا نجد فيه جسراً بيننا ليصل كل منّا إلى حقيقة الآخر ،،،،،،
بقلم / إبراهيم فهمى المحامى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق