تم النشر بواسطة / ابراهيم فهمى
== ذكريات دافئة ==
......
كانت متثاقلة الخطي لا تقوى على السير
و مع ذاك فقد كانت تمشي بالغرفة الصغيرة ذهابا إيابا دون وجهة محددة
أصابعها متشابكة بقوة تحاول معها إخفاء حالة التوتر
التي تستشعرها في وحدتها تلك
صامتة هي لكنها تنصت لصوت الضجيج المتعالي بأعماقها
كان تفكيرها بين الفينة و الأخرى يشق عباب الصمت الخاضعة له وجعا
فملامح وجهها كانت تقرأ دون عناء و مشقة
فتقطيب جبينها كان يوحي بألم كان يعتصرها فقدا من ذكرى داهمتها بغتة
و عيناها المحمرة تحاكي نزف دموع كثيرة
إتجهت شاخصة البصر فاقدة لكل إرادة أو رغبة في حركة هي تعيها
إلى النافذة و كأن شيئا ما إستوقفها هناك و يقودها إليه راغمة
أسرعت في ذاك الإتجاه ملبية ذاك النداء الخفي بداخلها
وضعت يديها على زجاج النافذة و هي تمسح قطرات الندى
العالقة به ، هذا اليوم كان ممطرا و السماء ملبدة بالغيوم
فهو دون قصد يحاكي الحزن الذي يعيش بداخلها
جسدها النحيل لم يقدر على حملها
تراجعت للخلف و ألقت بنفسها على الحائط
فقد بدت عليها علامات الضعف و النحول
سقطت أرضا فإحتضنت وجهها الشاحب بيديها المرتجفتين
محاولة منها لإخفاء دموعها
و لكنها إنهارت و أجهشت بالبكاء
في نفس هذا المكان لم تكن فيما مضى لوحدها
كانت مستأنسة بحضور ذاك الغائب الذي طال غيابه عنها
فهو من كان يؤنس وحدتها
و يملأ هذه الغرفة الصغيرة بحضوره البهي
كانت هنا تجلس لوقت طويل تتجاذب معه أطراف الحديث
و هي ترتشف قهوتها المسائية
و علت ثغرها إبتسامة أعادت الحياة مجددا لتلك اللحظات الماضية
و حضرها ذاك الصوت الدافيء المفعم بالحنان :
ـ ألم تلاحظي أنّكِ قد أدمنتي شرب القهوة في هذا الوقت بالذات
أجابت :
ـ نعم إنه موعد قدومك و كيف لا أدمنه ؟
رد مبتسما :
ـ أعدك لن أخلف لكِ موعدا
نظرت إلى أعلى لتمنع دموعها من السقوط
و ببحّة خانقة و حشرجة صوت باكي قالت :
قد حان موعد قدومك اليوم و لكنك أخلفته
نقرات المطر على الزجاج أعادها لحاضرها
و قطع عليها تفكيرها في الماضي و تواصلها معه
كانت مكرهة على الرجوع لهذا الحاضر البائس
فهي تعيشه وحيدة في مكان مقفر يخلو من كل شيء عدا
ذكريات دافئة ........
جلَسَت إلى طاولة خشبية كانت قد وَضَعَت عليها كوب قهوتها
الذي لاحظت أنّه لا زال دافئا فهو لم يبرد تماما
أخذته بيدها قائلة :
يا لك من شتاء بارد فرغم كل ما أستشعره فيك من قسوة و برود و جفاء
إلاَّ أن دفء ذكرياتي يغمرني حنينا و شوقا و مع حلولك يتجدد رغما عني
و رغما عنك فدفء كوب القهوة قد سرى في جسدي و أنفاسي
\
بقلم منيرة الغانمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق