القصة 14
وداع يا صاحبى
_____________
كنت اجلس على قارعة الطريق المؤدية إلى سلم الزيارات داخل السجن بالوادى الجديد فى انتظار خروج الاسماء من باب الادارة وذلك منذ بداية الأسبوع بعد معرفة ميعاد لزيارتى كان قد جائنى عن طريق أهالى أحد الاخوة الزائرين وكل يوم انتظر فى هذا المكان بين العنابر وبين مبنى الادارة وكثيراً ما اعود إلى زنزانتى كاسف البال خائب الأمل وقد كان الميعاد مضروب أى غير صحيح أو أجل لأسباب لا أعرفها اكثر من مرة وقد كنت مشغولاً جداً لتأخر الأهل عن الميعاد المضروب مسبقاً وعقلى مشغول فى اسباب التأخير الغير معلومة لدى .
وفجاة استوقف تفكيرى ولفت نظرى وشد انتباهى منظر لاثنين من المساجين الجنائين ومعهم حقائب يحملونها فوق اكتافهم ويسير مخبر وأحد الجاويشية قادمين من العنبر الجنائى الوحيد فى سجن الوادى الجديد الذى لايشغله إلا المعتقلين السياسين أمثالى وقد ظننت فى أول الأمر أن هذان المسجونان مرحلين إلى سجن أخر ، ولكن عند وصولهم إلى أول الطريق المؤدى إلى الادارة استوقف أحدهم الأخر وأخذ منه الحقيبة التى كان يحملها ثم عانق أحدهما الأخر فى حرارة وهو يحتضن صديقه بشدة وهو يهدهد بيده على ظهره والاخر يحتضنه وكانه لايريد أن يتركه من بين ذراعيه فحاول المسافر أن يهدء من روعه وهو يصبره بكلمات لم تستطيع أن تهون على صديقه ألم الفراق فأضطر المسافر أن يدفعه حاملاً صديقه ، يتركه والبعد عنه بشيء من الأم والمرارة فأندفع الأخر وانطلق المسافر لايريد أن ينظر إلى الخلف حتى لايرى صاحبه وهو فى حالة الفراق وقف الأخر مكانه توقفت قدماه تحجرت دمعه كبيرة فى مقلته لم يستطيع أن يخفيها لم تستطيع أن تنزل من محجرها لم تنبت شفتاه ببنت شفه عيناه لم تفارق ظل صاحبه ناظراً إليه لم تغمض أهداب عينيه كأنه يريد الاحتفاظ بصورته فى مقلته حتى بعد فراقه .
قبل أن يختفى صاحبه مع المخبر والجاويش نطق لسانه باسمه بأعلى صوته (يا خلف ) فتوقف الأخر وهو لايريد ان يتوقف وقال له المسافر (أيوه) فقال الأخر (مش عايز حاجة) فقال المسافر (لا) ومضى ثم أختفى داخل المبنى .
كأنى اراه عندما نادى عليه بصوته الجهورى لينظر إلى وجهه النظرة الأخيرة ليسمع صوته بكلمة أخيرة وبعد اختفاءه من امامه حول وجهه جهة العنبر يتمتم بكلمات لم اسمعها رأيت فى عينه تلك الدمعه المتحجرة فى مقلته لم تسقط من عينه فى كبرياء يمنعها .
_________________________________
من مجموعة القصص القصيره(الوهم والحقيقة)
تاليف/محمود عبدالمتجلى عبد الله
أ. هـــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق