الأحد، 4 يونيو 2017

نصف بطيخه ... بقلم الكاتب والقاص / محمد علي عاشور

قصة قصيرة بقلم /محمد علي عاشور 
نصف بطيخة
رمضان منذ أكثر من ثلاثين عاماً كان يأتى فى الصيف مثل هذه الأيام ، كنت وقتها أبلغ من العمر سبع سنوات ، كانت كل بيوت القرية بلا استثناء الغنى والفقير من الطوب النىء أو اللبن كما نقرأه فى الكتب ، قبل أن تتحول القرية إلى البيوت الخرسانية التى إرتفعت إلى دورين وثلاثة وربما أربعة كنا فى الإفطار نتناول لقيمات صغيرة ثم نخرج على نداءات بعضنا دون مبالاة من الأهل حاملين الفانوس أبو شمعة الملون لنجمع العادة .
والعادة هى نوع من الشحاذة أو التسول من الأهل والأقارب والجيران. كان لنا كبير يسير أمامنا ، وكبيرنا هذا عمره عشر سنوات ، يتقدمنا بفانوسه إلى الدور ، ويطرق الأبواب ويقول : عايزين العادة.
ينظر إلينا أصحاب الدور بابتسامة ، ثم يأتى ومعه أى شيء بعض حبات الفاكهة ، أو طبق به أرز يضع منه فى يد كل واحد ملعقة ، أو طبق به طبيخ بامية أو ملوخية وبعض لقم الخبز فكنا نأكل سعداء ، وأحسن دار كنا نذهب إليها كانت تعطينا قرش تعريفة .
وهناك دار كنا لا نأخذ منها شيئاً ، ومع ذلك نذهب إليها كل يوم فنشتم ونطرد ونمشى ، وكانت دار إمرأة عجوز وأولادها . 
فى يوم من الأيام ذهبنا إلى هذه الدار ، وتقدم كبيرنا ، وطرق الباب ، وإنفتح الباب وإنفتح معه سيل من الشتائم من العجوز : روحوا يا ولاد الكلاب يا شحاتين ، هو إنتم أهاليكم فقرا ..... ياللايا .....
وتستمر الشتائم ونحن نجرى ، وكبيرنا يستدير ويشتم ويجرى ونضحك، وكم من فوانيس تكسرت عند هذه الدار .
فى هذا اليوم لمح كبيرنا فى شباك هذه المرأة نصف بطيخة قد وضعته ليبرد ، حتى تأكله بعد الإفطار فقال كبيرنا : والله لازم نربى الولية دى ، تعالوا ورايا ، وانسقنا وراءه كلنا ، ثم سحب نصف البطيخة من الشباك ووضعها وسطنا وقال : كلوا بطيخة بنت الكلب اللى عمرنا ما خدنا منها حاجة . 
سمعت صياحنا فخرجت ونظرت إلينا ، ثم إلى مكان البطيخة فى الشباك وقالت يا حرامية يا ولاد الكلب يا جعانين ، فانطلقنا نلوك ما تبقى فى فمنا تاركين نصف البطيخة كالحلة الفارغة ، فأنطلقت وراءنا ونحن نضحك ، وكانت هذه أخر مرة نذهب إليها نطلب العادة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون