(( دستور من خاطره )) ...
قصة : مصطفى الحاج حسين .
-1-
استدعى الشّيخ " عوض " حفيده " لطّوف " ،
وطلبَ أن يجتمعَ بهِ على انفرادٍ ، وقفَ " لطّوف "
أمامَ جدّهِ منقبضاً ، فلجدّه هيبة عالية .
تمعّنَ الجّدُّ بحفيدهِ بدقٌةٍ ، فأحسَّ " لطّوف "
بالعريّ أمامَ نظراتِ الكهلِ الثّاقبة ،
واعتقد أنّ الجّدّ سوف يحاسبهُ على أفعالهِ
السّيّئةِ ، الّتي ذاعَ صيتها في كلّ مكان ، لكنّه قرّر أن
يكذّب كلّ التّهم الّتي سيواجهه بها جدّهُ . قال الجّدّ :
- أَمَا آنَ لكَ أن تعقلَ يا " لطّوف " ؟ .
أطرقَ الحفيد برهةً ، ثمّ همس بصوتٍ مرتعشٍ :
- جدّي .. كلّ ماسمعته عنّي كذب وافتراء .
رمقهُ المسنُّ بنظرةٍ صارمةٍ ، وصاحَ :
- أنا أعرف كلّ شيءٍ عنكَ يا مقصوف العمر
.. فلا داعي للكذب .
تقدّمَ " لطّوف " خطوة من جدّهِ ، دمدمَ :
- صدّقني يا جدّي ... أنا تبتُ منذ زمنٍ عن ارتكاب
المعاصي .
غابت الحدّة عن كلامِ المسنِّ ، تحوّلَ صوتهُ إلى
ما يشبه الهمس :
- أنا أريد مصلحتكَ يا " لطّوف " ... إنّ ساعتي
اقتربت ، ويجب أن تأخذ عنّي الوكالةَ ، عليكَ أن لا
تضيّع هذا الجّاه ، كلّ النّاس سيكونونَ تحتَ إمرتكَ ،
فقط تعقّل ، وأطلَ لحيتكَ ، وبدأ بالتّردّدِ على
الجّامع .
قال " لطّوف " الذي أدهشه هذا القول :
- ولكن يا جدّي ... أنا لا أصلح لها ، كلّ النّاس
فقدوا ثقتهم بي .
قذفَ المسنُّ سبحته من يدهِ ، وصفعَ " لطّوف "
بنظرةٍ غاضبة :
- أنتَ لماذا لا تريد أن تفهمني ؟! .. قلتُ لكَ أطِل
لحيتكَ ، وتردّد على الجّامع ، وسرعانَ ما تعودَ إليكَ
ثقة أهل البلدة ، فأنتَ ابن أسياد ، من اليوم عليكَ أن
تجالسني كلّ يوم ، حتّى تتعلّم منّي كلّ شيء .
جلسَ قبالة جدّه الهرم .. وهتفَ :
- جدّي ... أنا أفكّر أن أعمل في التّجارة .
حملقَ الجّد بحفيدهِ ، ثمّ أشاح وجهه
المتجعّد ، ذا اللحية البيضاء :
- أنتَ غبيّ .. عملنا يدرّ علينا ذهباً ، والتّجارة
قابلة للخسارة .
-2-
عندما ماتَ الشّيخ " عوض " ، كانَ
جميع أهل بلدة " الباب " ، يعرفونَ أنَّ حفيده "
لطّوف " هو خليفته ، فقد منحه جدّهُ الوكالة ، أمام
كلّ النّاس ، في الجّامع " الكبير " ، بعد صلاة
الجمعة .
-3-
تماثلَ وجه " حليمة " للشفاء ، من الحروق
التي سبّبها إبريق الشّاي السّاخن يوم سقط فوقها ،
لكنّ الصّداع الهائل لم يفارقها ، بل كان يتضاعف
ويزداد كلّ يوم ، و " حليمة " تشكو من الألم
الفظيع ، تبكي ، وحين حازت على اشفاق الجّميع ،
قالت جدّتها " الحاجّة ربّوع " :
- علينا أن نعرضها على سيدي " لطّوف " فهو من
أولياء الله الصّالحين .
فوافق الأهل على كلام " الحاجٌة " ، وهكذا
أمر الأبّ ابنه " مصطو " أن يذهب إليه ، ويرجوه
الحضور .
منذ اللحظة الأولى لدخول صاحب الكرامة
" لطّوف " ، وبعد أن رمقَ " حليمة " بنظر مستعجلة ،
أمر الجّميع بالخروج من الغرفة ، فتركوه مع " حليمة
" .
طلبَ منها الاقتراب منه ، امتثلت لأمره،
وضع يده على جبينها ، حدّق في عينيها الجزعتينِ ،
ثمّ حوّلَ يده إلى خدّها ، راحَ يتمتم بتراتيل مبهمة ،
عادت يده لتمسحَ رأسها ، طلبَ أن تخلعَ عنها غطاء
الرّأس ، ففعلت ، راحت يده تمسّد شعرها الفاحم ،
أخذت عيناه تشعّانِ ، زحفت كفّهُ إلى عنقها ،
تأوّهت " حليمة " إذ ما زالت آثار الحروق تؤلمها ،
أخذت أصابعه تجسّ كتفيها ، تصاعدت دمدماته :
- هل يؤلمكِ رأسكِ ؟ .
هزّت " حليمة " رأسها . عاد يسأل :
- هل مازالت الحروق توجعكِ ؟ .
كرّرت هزّ رأسها ، لكنّ دموعاً حبيسة من عينيها بدأت
تنسكب .
- إذاً مرّغي خدّيكِ بلحيتي .
دهشت " حليمة " ، تراجعت ، فصاح :
- مرّغي خدّيكِ بلحيتي ، فلحيتي مباركة .
اقتربت الصّبية ، لصقت خدّها بلحيته الضّخمة ،
ألصق لحيته بخدّها أكثر ، امتدّت يداه تحتضنانها
بعنفٍ ، اشتعلت النّار داخل عينيهِ ، دمدم :
- هل يؤلمكِ نهداكِ ؟ .
بهزّةٍ من رأسها نفت هذه المرّة .
- هل أنتِ متأكّدة ؟ .
- نعم
ارتفع صوته المبحوح أكثر :
- هل أنتِ متأكدة ، أم أنّكِ لا تعرفين ؟ .
همست " حليمة " والخوف قد سيطر على كامل
وعيها :
- لا أعرف .
امتدّت يده إلى نهدها ، تكوّرت كفّه فوقَ النّهد ،
راحت أصابعه تهرس الحلمة ، كان النّهد ليّناً ، دمدمَ
لاهثاً :
- افتحي أزرارك .
تطلّعت إلى عينيهِ الجّمريتين .
- قلتُ لكِ افتحي الأزرار .
برزَ الصّدر الأسمر ، هرعت أصابعه المتوقّدة
لترفع الحمّالتينِ ، تأرجح النّهدان ، قبضت يداه
الحارتانِ الرّاعشتانِ عليهما ، اندلعَ اللهب من عينيهِ ،
وسرت رجفة في أوصالِ " حليمة " ، حينَ أبصرت
وجهه يستطيل ، همهمَ وقد اتّسعَت بُحّة صوته :
- هل توجعكِ بطنكِ ؟ .
- لا .
رفعَ يديهِ عن النّهدينِ ، قال بحزمٍ :
- تمدّدي أمامي .
تجرّأت " حليمة " لتهتفَ :
- قلتُ لكَ بطني لا توجعني .
تراجعَ قليلاً .. تجهّمَ وجههُ ، تقلّصت لحيته وهو
يصيح :
- قلتُ لكِ تمدّدي .
تمدّدت كالميّتةِ ، أسرعت يداه لتكشفانِ الثّوب عن
بطنها :
- لماذا ترتدينَ هذا البنطال ونحنُ في عزِّ الصّيف ؟! .
لم تردّ عليه ، لم ينتظر جواباً ، تابع رفع الثّوب ،
ظهرت البطّن ، تسابقت أصابعه لترفعَ القميص
الدّاخلي ، يده تتمرّغ على البطن وتعصرها ، عَلَت
دمدماتهِ :
- اللهمّ أرح هذه البطن من الألمِ ، اللهمّ أرفق بهذه
النّعومةِ ، بهذهِ الفتنةِ والسّرّةِ ، اللهمَّ مكّني من
مساعدتها فهي عزيزة على قلبي ، اطرد عنها الجّنّ
والعفاريتَ والشّياطينَ والأبالسة أولاد الكلب ، اللهمّ
أرحني ، فأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٍ .
-4-
عندما سمحَ صاحب الكرامة لأهلِ "حليمة "
بالدّخولِ ، كانَ قد تربّعَ فوقَ اللبّاد وأمسكَ بسبحتهِ .
سارعت " زهيدة " أمّ " حليمة " لتسأله :
- خير ياسيدي الشّيخ .. طمّني ؟ .
ابتسم صاحب الكرامة ، نظر صوب " حليمة "
المصفرّة الوجه ، دمدمَ بعد أن مسّدَ بأصابعهِ على
لحيتهِ المشوبةِ بالاحمرار :
- إن شاء الله خير ، لا تقلقي ، أريد فقط أن أبيّت لها
حتّى أتأكّدَ ، لهذا أريد شيئاً من أثرها ، كي أضعه
تحت مخدّتي عند نومي .
قالت " الحاجّة ربّوع " :
- أعطهِ غطاء رأسكِ يا " حليمة " .
هتفَ صاحب الكرامة بسرعةٍ :
- غطاء الرّأس لا يصلح ياحاجّة .
سألَ الأب باستغراب :
- لماذا لا يصلح ياسيدي ؟! .
- لأنّني أريد قطعة من ثيابها تكون ملتصقة بجسدها
أكثر ، ويجب أن تكون هذه القطعة نجسة ، لأنَّ
الجّنَّ والعفاريتَ والشّياطينَ والأبالسةَ ، أعوذُ بالله
من ذكرهم ، لا يوجدونَ إلّا في الأماكنِ النّجسة
والحقيرة .
صاحت " زهيدة " الأمُّ :
- دستور من خاطرهم ، دستور يارب .
تابعَ صاحب الكرامة طلاسمه :
- أريدُ سروال " حليمة " ، فهو أفضل شيء
( للاستخارة ) .
-5-
قبلَ وصول صاحب الكرامة ، طلبت " حليمة "
من أمّها وجدّتها أن لا يتركاها معه بمفردها .
قالت الأمُّ :
- صاحب الكرامة لا يقبل أن يتركنا معكِ .
وأجابت الجّدة " ربوع " :
- الجّن والعفاريت والشيّاطين والأبالسة ، لا.يظهرونَ
لسيّدنا " لطوف ' إن بقينا معكِ .
أرادت " حليمة " أن توضّح لهما عن أسباب
مخاوفها :
- سيّدنا " لطّوف " له حركات مخيفة .
صاحت الحاجّة " ربّوع " :
- طبعاً .. هكذا هم أولياء الله الصّالحين .
أدركت " حليمة " أنَّ أمّها وجدّتها ، لا تستوعبانِ ما
تقصد ، لذلك عزمت على المكاشفة أكثر :
- سيّدنا " لطوف " ليس من أولياء الله الصّالحين .
ذعرت الأمّ من هذا القول ، وصاحت الجّدةُ
بغضبٍ شديدٍ :
- اللعنة عليكِ ياقصوفة العمر ، أنتِ تكفرينَ
، قولي دستور من خاطره ، قبل أن يفلجكِ ،
سيّدنا " لطّوف " ابن أسياد .
اقتربت الأم من ابنتها ، وهمست :
- قولي ياابنتي أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ، ولا
تعودي لمثل هذا الكلام ، سيّدنا " لطّوف " قادر على
مسخنا جميعاً .
-6-
وصل صاحب الكرامة " لطّوف " ، كان
عابساً ، استقبلته العائلة بقلقٍ وخوفٍ ، قال الأب "
الحاج كرمو السّعال " :
- خير ياسيدي .. لقد شغلتَ بالنا ؟! .
تضاعفَ تجهّم وجهه ، تسارعت أصابعه
بتلقّفِ حبّات سبحتهِ ذات المئة حبّة ، نظر صوب "
حليمة " المنكمشة على نفسها عند الزّاوية ، وقال :
- " حليمة " أحرقت ابن ملك الجّنِّ الأحمر ، يوم
أسقطت براد الشّاي ، وهذا ما جعل ملك الجّنّ
الأحمر ، أن يقسم على الانتقام من ابنتكم " حليمة
" .
ندّت عن " حليمة " صرخة ذعر رهيبة ،
توجّهت إليها الأبصار بفزعٍ عظيم ، كانت ترتعش ،
فكأنَّ خوفها قد تحوّلَ إلى موجةِ بردٍ قارسة .
صاح صاحب الكرامة وهو يحاول النّهوض :
- اخرجوا من الغرفةِ ، ودعوني أعالجها .
مصطفى الحاج حسين .
حلب
قصة : مصطفى الحاج حسين .
-1-
استدعى الشّيخ " عوض " حفيده " لطّوف " ،
وطلبَ أن يجتمعَ بهِ على انفرادٍ ، وقفَ " لطّوف "
أمامَ جدّهِ منقبضاً ، فلجدّه هيبة عالية .
تمعّنَ الجّدُّ بحفيدهِ بدقٌةٍ ، فأحسَّ " لطّوف "
بالعريّ أمامَ نظراتِ الكهلِ الثّاقبة ،
واعتقد أنّ الجّدّ سوف يحاسبهُ على أفعالهِ
السّيّئةِ ، الّتي ذاعَ صيتها في كلّ مكان ، لكنّه قرّر أن
يكذّب كلّ التّهم الّتي سيواجهه بها جدّهُ . قال الجّدّ :
- أَمَا آنَ لكَ أن تعقلَ يا " لطّوف " ؟ .
أطرقَ الحفيد برهةً ، ثمّ همس بصوتٍ مرتعشٍ :
- جدّي .. كلّ ماسمعته عنّي كذب وافتراء .
رمقهُ المسنُّ بنظرةٍ صارمةٍ ، وصاحَ :
- أنا أعرف كلّ شيءٍ عنكَ يا مقصوف العمر
.. فلا داعي للكذب .
تقدّمَ " لطّوف " خطوة من جدّهِ ، دمدمَ :
- صدّقني يا جدّي ... أنا تبتُ منذ زمنٍ عن ارتكاب
المعاصي .
غابت الحدّة عن كلامِ المسنِّ ، تحوّلَ صوتهُ إلى
ما يشبه الهمس :
- أنا أريد مصلحتكَ يا " لطّوف " ... إنّ ساعتي
اقتربت ، ويجب أن تأخذ عنّي الوكالةَ ، عليكَ أن لا
تضيّع هذا الجّاه ، كلّ النّاس سيكونونَ تحتَ إمرتكَ ،
فقط تعقّل ، وأطلَ لحيتكَ ، وبدأ بالتّردّدِ على
الجّامع .
قال " لطّوف " الذي أدهشه هذا القول :
- ولكن يا جدّي ... أنا لا أصلح لها ، كلّ النّاس
فقدوا ثقتهم بي .
قذفَ المسنُّ سبحته من يدهِ ، وصفعَ " لطّوف "
بنظرةٍ غاضبة :
- أنتَ لماذا لا تريد أن تفهمني ؟! .. قلتُ لكَ أطِل
لحيتكَ ، وتردّد على الجّامع ، وسرعانَ ما تعودَ إليكَ
ثقة أهل البلدة ، فأنتَ ابن أسياد ، من اليوم عليكَ أن
تجالسني كلّ يوم ، حتّى تتعلّم منّي كلّ شيء .
جلسَ قبالة جدّه الهرم .. وهتفَ :
- جدّي ... أنا أفكّر أن أعمل في التّجارة .
حملقَ الجّد بحفيدهِ ، ثمّ أشاح وجهه
المتجعّد ، ذا اللحية البيضاء :
- أنتَ غبيّ .. عملنا يدرّ علينا ذهباً ، والتّجارة
قابلة للخسارة .
-2-
عندما ماتَ الشّيخ " عوض " ، كانَ
جميع أهل بلدة " الباب " ، يعرفونَ أنَّ حفيده "
لطّوف " هو خليفته ، فقد منحه جدّهُ الوكالة ، أمام
كلّ النّاس ، في الجّامع " الكبير " ، بعد صلاة
الجمعة .
-3-
تماثلَ وجه " حليمة " للشفاء ، من الحروق
التي سبّبها إبريق الشّاي السّاخن يوم سقط فوقها ،
لكنّ الصّداع الهائل لم يفارقها ، بل كان يتضاعف
ويزداد كلّ يوم ، و " حليمة " تشكو من الألم
الفظيع ، تبكي ، وحين حازت على اشفاق الجّميع ،
قالت جدّتها " الحاجّة ربّوع " :
- علينا أن نعرضها على سيدي " لطّوف " فهو من
أولياء الله الصّالحين .
فوافق الأهل على كلام " الحاجٌة " ، وهكذا
أمر الأبّ ابنه " مصطو " أن يذهب إليه ، ويرجوه
الحضور .
منذ اللحظة الأولى لدخول صاحب الكرامة
" لطّوف " ، وبعد أن رمقَ " حليمة " بنظر مستعجلة ،
أمر الجّميع بالخروج من الغرفة ، فتركوه مع " حليمة
" .
طلبَ منها الاقتراب منه ، امتثلت لأمره،
وضع يده على جبينها ، حدّق في عينيها الجزعتينِ ،
ثمّ حوّلَ يده إلى خدّها ، راحَ يتمتم بتراتيل مبهمة ،
عادت يده لتمسحَ رأسها ، طلبَ أن تخلعَ عنها غطاء
الرّأس ، ففعلت ، راحت يده تمسّد شعرها الفاحم ،
أخذت عيناه تشعّانِ ، زحفت كفّهُ إلى عنقها ،
تأوّهت " حليمة " إذ ما زالت آثار الحروق تؤلمها ،
أخذت أصابعه تجسّ كتفيها ، تصاعدت دمدماته :
- هل يؤلمكِ رأسكِ ؟ .
هزّت " حليمة " رأسها . عاد يسأل :
- هل مازالت الحروق توجعكِ ؟ .
كرّرت هزّ رأسها ، لكنّ دموعاً حبيسة من عينيها بدأت
تنسكب .
- إذاً مرّغي خدّيكِ بلحيتي .
دهشت " حليمة " ، تراجعت ، فصاح :
- مرّغي خدّيكِ بلحيتي ، فلحيتي مباركة .
اقتربت الصّبية ، لصقت خدّها بلحيته الضّخمة ،
ألصق لحيته بخدّها أكثر ، امتدّت يداه تحتضنانها
بعنفٍ ، اشتعلت النّار داخل عينيهِ ، دمدم :
- هل يؤلمكِ نهداكِ ؟ .
بهزّةٍ من رأسها نفت هذه المرّة .
- هل أنتِ متأكّدة ؟ .
- نعم
ارتفع صوته المبحوح أكثر :
- هل أنتِ متأكدة ، أم أنّكِ لا تعرفين ؟ .
همست " حليمة " والخوف قد سيطر على كامل
وعيها :
- لا أعرف .
امتدّت يده إلى نهدها ، تكوّرت كفّه فوقَ النّهد ،
راحت أصابعه تهرس الحلمة ، كان النّهد ليّناً ، دمدمَ
لاهثاً :
- افتحي أزرارك .
تطلّعت إلى عينيهِ الجّمريتين .
- قلتُ لكِ افتحي الأزرار .
برزَ الصّدر الأسمر ، هرعت أصابعه المتوقّدة
لترفع الحمّالتينِ ، تأرجح النّهدان ، قبضت يداه
الحارتانِ الرّاعشتانِ عليهما ، اندلعَ اللهب من عينيهِ ،
وسرت رجفة في أوصالِ " حليمة " ، حينَ أبصرت
وجهه يستطيل ، همهمَ وقد اتّسعَت بُحّة صوته :
- هل توجعكِ بطنكِ ؟ .
- لا .
رفعَ يديهِ عن النّهدينِ ، قال بحزمٍ :
- تمدّدي أمامي .
تجرّأت " حليمة " لتهتفَ :
- قلتُ لكَ بطني لا توجعني .
تراجعَ قليلاً .. تجهّمَ وجههُ ، تقلّصت لحيته وهو
يصيح :
- قلتُ لكِ تمدّدي .
تمدّدت كالميّتةِ ، أسرعت يداه لتكشفانِ الثّوب عن
بطنها :
- لماذا ترتدينَ هذا البنطال ونحنُ في عزِّ الصّيف ؟! .
لم تردّ عليه ، لم ينتظر جواباً ، تابع رفع الثّوب ،
ظهرت البطّن ، تسابقت أصابعه لترفعَ القميص
الدّاخلي ، يده تتمرّغ على البطن وتعصرها ، عَلَت
دمدماتهِ :
- اللهمّ أرح هذه البطن من الألمِ ، اللهمّ أرفق بهذه
النّعومةِ ، بهذهِ الفتنةِ والسّرّةِ ، اللهمَّ مكّني من
مساعدتها فهي عزيزة على قلبي ، اطرد عنها الجّنّ
والعفاريتَ والشّياطينَ والأبالسة أولاد الكلب ، اللهمّ
أرحني ، فأنتَ على كلِّ شيءٍ قديرٍ .
-4-
عندما سمحَ صاحب الكرامة لأهلِ "حليمة "
بالدّخولِ ، كانَ قد تربّعَ فوقَ اللبّاد وأمسكَ بسبحتهِ .
سارعت " زهيدة " أمّ " حليمة " لتسأله :
- خير ياسيدي الشّيخ .. طمّني ؟ .
ابتسم صاحب الكرامة ، نظر صوب " حليمة "
المصفرّة الوجه ، دمدمَ بعد أن مسّدَ بأصابعهِ على
لحيتهِ المشوبةِ بالاحمرار :
- إن شاء الله خير ، لا تقلقي ، أريد فقط أن أبيّت لها
حتّى أتأكّدَ ، لهذا أريد شيئاً من أثرها ، كي أضعه
تحت مخدّتي عند نومي .
قالت " الحاجّة ربّوع " :
- أعطهِ غطاء رأسكِ يا " حليمة " .
هتفَ صاحب الكرامة بسرعةٍ :
- غطاء الرّأس لا يصلح ياحاجّة .
سألَ الأب باستغراب :
- لماذا لا يصلح ياسيدي ؟! .
- لأنّني أريد قطعة من ثيابها تكون ملتصقة بجسدها
أكثر ، ويجب أن تكون هذه القطعة نجسة ، لأنَّ
الجّنَّ والعفاريتَ والشّياطينَ والأبالسةَ ، أعوذُ بالله
من ذكرهم ، لا يوجدونَ إلّا في الأماكنِ النّجسة
والحقيرة .
صاحت " زهيدة " الأمُّ :
- دستور من خاطرهم ، دستور يارب .
تابعَ صاحب الكرامة طلاسمه :
- أريدُ سروال " حليمة " ، فهو أفضل شيء
( للاستخارة ) .
-5-
قبلَ وصول صاحب الكرامة ، طلبت " حليمة "
من أمّها وجدّتها أن لا يتركاها معه بمفردها .
قالت الأمُّ :
- صاحب الكرامة لا يقبل أن يتركنا معكِ .
وأجابت الجّدة " ربوع " :
- الجّن والعفاريت والشيّاطين والأبالسة ، لا.يظهرونَ
لسيّدنا " لطوف ' إن بقينا معكِ .
أرادت " حليمة " أن توضّح لهما عن أسباب
مخاوفها :
- سيّدنا " لطّوف " له حركات مخيفة .
صاحت الحاجّة " ربّوع " :
- طبعاً .. هكذا هم أولياء الله الصّالحين .
أدركت " حليمة " أنَّ أمّها وجدّتها ، لا تستوعبانِ ما
تقصد ، لذلك عزمت على المكاشفة أكثر :
- سيّدنا " لطوف " ليس من أولياء الله الصّالحين .
ذعرت الأمّ من هذا القول ، وصاحت الجّدةُ
بغضبٍ شديدٍ :
- اللعنة عليكِ ياقصوفة العمر ، أنتِ تكفرينَ
، قولي دستور من خاطره ، قبل أن يفلجكِ ،
سيّدنا " لطّوف " ابن أسياد .
اقتربت الأم من ابنتها ، وهمست :
- قولي ياابنتي أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ، ولا
تعودي لمثل هذا الكلام ، سيّدنا " لطّوف " قادر على
مسخنا جميعاً .
-6-
وصل صاحب الكرامة " لطّوف " ، كان
عابساً ، استقبلته العائلة بقلقٍ وخوفٍ ، قال الأب "
الحاج كرمو السّعال " :
- خير ياسيدي .. لقد شغلتَ بالنا ؟! .
تضاعفَ تجهّم وجهه ، تسارعت أصابعه
بتلقّفِ حبّات سبحتهِ ذات المئة حبّة ، نظر صوب "
حليمة " المنكمشة على نفسها عند الزّاوية ، وقال :
- " حليمة " أحرقت ابن ملك الجّنِّ الأحمر ، يوم
أسقطت براد الشّاي ، وهذا ما جعل ملك الجّنّ
الأحمر ، أن يقسم على الانتقام من ابنتكم " حليمة
" .
ندّت عن " حليمة " صرخة ذعر رهيبة ،
توجّهت إليها الأبصار بفزعٍ عظيم ، كانت ترتعش ،
فكأنَّ خوفها قد تحوّلَ إلى موجةِ بردٍ قارسة .
صاح صاحب الكرامة وهو يحاول النّهوض :
- اخرجوا من الغرفةِ ، ودعوني أعالجها .
مصطفى الحاج حسين .
حلب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق