خطبة بعنوان : أسرار الحج
للشيخ : عبد القوى أبو سنة - رحمه الله -
مسجد : عبد الرحمن فوزى بالصف
***********************************
لك الحمد يا رب : يا من أكرمت عبادك بموفور هداياك ، وأحسنت إليهم بوافر إمداداتك وكثير عطاياك .
وأشهد أن لا إله إلا أنت : دعوت الناس إلى حج بيتك للتمتع بموائد كرمك وعظيم أُنسك ومِنَح فضلك .
وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك : دعا الأمة إلى الإخلاص فى تقديس تلك الشعائر والابتهال إليك فى محيط جلالها ومواصله المناجاة فى آفاقها .
صلواتك و تسليمك يا رب على هذا النبى : الذى تعلق قلبه بمكة التى ولد على أرضها ونشأ فى دروبها ، وتنـزلت عليه الرسالة فوق جبالها .
وعلى اله وصحابته : الذين كانوا فى موكب جلاله وفى ركب جماله فشهدوا تلك الآيات وأدركوا جمال وجلال تلك المشاعر فأدوا رسالتهم فى روعة موكبه وقاموا بواجبهم فى محيط روحانيته.
ومن تبعهم : فى طلب فيوض التجليات والتماس جلال المناجاة فكان من السعداء .
أما بعد………… فيا أمة الإسلام …………
إن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته أن يجعل لكل أمة متعبداً معظم القدر ... وموضعاً يأنسون إليه ويتبركون به لظهور آيات الله فيه : (( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )) (34) الحج ، ويقول عز وجل : (( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ .....)) (67) سورة الحـج . فهم يفعلون ذلك تحقيقا لشوقهم إلى معبودهم وإظهاراً للتذلل له والخضوع إليه .
ومن هنا كان الحج عباده يتقرب بها المسلمون إلى خالقهم فتصفو نفوسهم ويشف قلوبهم فى مشارق الفيوضات وترفرف أرواحهم مع نسمات الرضا التى تنفح بها معانى الطُّهر فيلتقون على المودة وتربط بينهم أواصر المحبة على تباعد الأقطار واختلاف الديار .
وقاصد البيت الحرام قاصد الله عز وجل ... والله تعالى أجل من أن يحويه بيت أو يحيط به مكان مهما كان .. ولكنه الرمز والإعداد النفسى الذى شرع من أجله الحج منذ أن نادى إبراهيم : ((إن الله بنى بيتا فحجوه)) (العلل المتناهية لابن الجوزى ج2 / صـ571) . لذلك لا عجب أن تكون الكعبة سبيل الثواب والأمان : (( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )) (125) البقرة . فهو أول بيت وضع للناس فى الأرض: ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ # فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) (96 ، 97) سورة آل عمران .
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامــة ومن خرج غازياً فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة)) رواه أبو يعلى عن أبى هريرة ( صحيح لغيره ) (صحيح الترغيب والترهيب 1114)
والحج فريضة فى العمر مرة فعن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج )) . فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله ؟ قال : (( لو قلتها : نعم لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا والحج مرة فمن زاد فتطوع )) رواه أحمد والنسائي والدارمي عن ابن عباس ( إرواء الغليل ج4/ص150).
والحج بأصوله وشروطه ليس له جزاء إلا الجنة فعنه صلى الله عليه وسلم قال : (( تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة )) رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود (حسن) ( صحيح الترغيب والترهيب 1105) ..... وعن ابن عباس – رضى الله عنهما – أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( تعجلوا إلى الحج – يعنى الفريضة – فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له )) رواه أحمد فى مسنده عن ابن عباس قال الشيخ الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم : 2957 في صحيح الجامع ./ (حسن) (مختصر إرواء الغليل 990)
وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله عز وجل : (( إن عبداً صححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم )) رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي عن أبى سعيد الخدرى (صحيح لغيره) ( صحيح الترغيب والترهيب 1166).
ولو لم يكن الحج ركن من أركان الإسلام لحتم القلب ولهفة الروح وهيام الوجدان على المؤمن أن يرحل إلى بيت الله ليشهد مهبط الوحى الأمين ومطلع سيد المرسلين وخاتم النبيين وليشحن روحه بطاقات اليقين من ذكريات هاجر وفدائيات إبراهيم وإسماعيل : (( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )) (32) الحج .
أيها الأخوة :
*********
إن الحج أوله شوق ثم عزم ثم قطع للعلائق المانعة منه ثم تضحية بالمال والجهد وأعمال وأقوال وحل وترحال ... كل ذلك تذكره للمتذكر وعبره للمعتبر وتنبيه للمريد الصادق .
فشوق الحاج إلى لقاء الله بشوقه إلى أسباب اللقاء ومع أن المحب مشتاق إلى كل ما لمحبوبة إضافة والبيت مضاف إلى الله عز وجل فحرىُّ أن يشتاق إليه لمجرد هذه الإضافة فضلا عن طلب الثواب الجزيل .
والحاج بعزمه قاصد إلى مفارقه الأهل والوطن .... ومهاجر للشهوات واللذات ، متوجها لزيارة بيت الله عز وجل وليعظم فى نفسه قدر البيت وقدر الرب وهذا عزم رفيع وأمر خطير .
أما قطع الحاج للعلائق المانعة له ... فمعناه رد المظالم والتوبة الخالصة لله عز وجل عن جملة المعاصى ... فكل مظلمة علاقة ، وكل علاقة مثل غريم حاضر متعلق بتلابيبه ينادى عليه ويقول له : إلى أين تتوجه ؟ أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مُضيّع أمره فى مقامك هذا ؟ ومستهين به ومهمل له ؟ ... أولا تستحى أن تقدم عليه قدوم العبد العاصى فيردك ولا يقبلك ؟ فإن كنت راغبا فى قبول زيارتك وآملا فى حجة مبرورة فنفذ أوامره ، ورُدَّ المظالم وتب إليه أولاً من جميع المعاصى فأن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولاً : إلا النصب والشقاء... وآخراً إلا الطرد والرد .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى أوحى إلي : يا أخا المرسلين , ويا أخا المنذرين أنذر قومك أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي ولأحد عندهم مظلمة, فإني ألعنه ما دام قائما بين يدي يصلي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها, فأكون سمعه الذي يسمع به, وأكون بصره الذي يبصر به, ويكون من أوليائي وأصفيائي, ويكون جاري من النبيين والصديقين والشهداء في الجنة )) رواه أبو نعيم والحاكم والديلمي وابن عساكر عن حذيفة (الإتحافات السنية فى الأحاديث القدسية "لابن رجب" / تحقيق محمد عفيف الزغبى).
وأما المال الذى يبذله الحاج فعليه أن يطلبه من موضع حلال وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره وطلب ما يبقى منه على طول السفر فليتذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر وأن زاده التقوى وأن ما عداه مما يُظَنُّ أنه زاده يتخلف عنه عند الموت ويخونه فلا يبقى معه .
وعلى قاصد البيت عند شراء ثوبى الإحرام أن يتذكر الكفن ولَفَّه فيه فأنه سيرتدى ويتأزر بثوبى الإحرام عند القرب من بيت الله الحرام وربما لا يتم سفره إليه وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفاً فى ثياب الكفن لا محالة .
وعلى قاصد بيت الله الحرام عند خروجه من بيته وبلده عليه أن يعلم أنه مفارق الأهل والوطن متوجه إلى الله فى سفر لا يضاهى أسفار الدنيا فليحضر القلب ماذا يريد والى أين يتوجه ؟ وزيارة من يقصد ؟ وأنه متوجه إلى ملك الملوك فى زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا وليحضر فى قلبه رجاء الوصول والقبول وليرج أنه إن لم يصل إليه وأدركته المنية فى الطريق لقى الله عز وجل وافداً إليه : ((وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (100) سورة النساء .
أيها الإخوة :
وعلى الحاج عند الإحرام و التلبية : أن يعلم أن معناه نداء الله عز وجل فليـرج أن يكون مقبولاً حتى لا يقال له لا لبيك ولا سعديك ... فليكن بين الخوف والرجاء متردداً ، وعن الحول والقوه متبرئاً ، وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلاً ... فإن وقت التلبية هو بداية الأمر وهى محل الخطر ... وقال سُفيان بن عُيينَة :- حَجَّ عليُّ بن الحسين فلما أَحْرَم واسْتَوتْ به راحلته اصْفَرَّ لَونُه وانْتَفَضَ ووَقَعَتْ عليه الرَّعْدَة ولم يستطع أن يُلَبِّي ، فقيل له :- لِمَ لا تُلَبِّي ؟ .. فقال :- أخشى أن يُقال لي :- لا لبيك ولا سعديك ، فلمَّا لَبَّى غُشِي عليه ووَقَع من على راحلته فلم يزل يَعتَرِيه ذلك حتى قضى حجَّه .)) (تاريخ الإسلام " للإمام الذهبـى " ج1 / ص767) .
وليتذكر الملبى عند رفع الصوت بالتلبية إجابته لنداء الله : (( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)) (27) سورة الحـج .... وليتذكر نداء الخلق بنفخ الصور وخروجهم من القبور وازدحامهم فى عرصات القيامة ... وعلى الحاج عند الطواف بالبيت أن يعلم أنه بالطواف متشبه بالملائكة المقربين الحافين من حول العرش الطائفين حوله ... وليعلم أن المقصود ليس هو طواف الجسم بل هو طواف القلب وهو أشرف أنواع الطواف .
والوقوف بعرفه : وما يرى فيه من ازدحام الخلق وارتفاع الأصوات واختلاف اللغات ويذكر بعرصات القيامة واجتماع الأمم مع الأنبياء فالزم قلبك الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل عسى أن تحشر فى زمرة الفائزين المرحومين .
وحقق رجاءك بالإجابة ، فالموقف شريف والرحمة إنما تصل من حضرة الجلال إلى كافة الخلق بواسطة القلوب العزيزة .... وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال يا بلال أنصت لي الناس فقام بلال فقال : أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنصت الناس فقال : (( معشر الناس أتاني جبريل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات فقام عمر بن الخطاب tفقال يا رسول الله هذا لنا خاصة قال هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه كثر خير الله وطاب )) رواه ابن المبارك عن أنس بن مالك (صحيح لغيره) ( صحيح الترغيب والترهيب 1151) .
أجل : (( ..... فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ )) (198) البقرة .
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم …… وأشهد أن لا إله إلا الله …… وأن محمداً رســول الله . أما بعد …………
فيا عباد الله اتقوا الله …………. اتقوا الله فقد مضى زمن العصيان ……… اتقوا الله و اسألوه إصلاحاً وتنظيماً ….. واعلموا أن الله صلى على نبيه قديماً فقال تعالى : ((ولم يزل قائلاً عليماً وآمراً حكيماً )).
((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) (56) سورة الأحزاب .
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم إنـك حميد مجيد .
أيها الأخوة :
ما أعظمها من رحله وما أكرمها من ضيافة ... فمن عزم وأخلص ، ومن بذل وصدق ، ومن عمل وأتم ....... رفع أجره ، وربحت تجارته ، واطمأن قلبه ، وسعدت روحه .
وإذا ما ودع الحاج بيت الله الحرام فمن الوفاء أن يقصد زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقف بين يديه ، وأن يزوره ميتاً كما لو كان حياً ، وأن يقرب من قبره كما لو كان يقرب من شخصه حياً بالسكينة والوقار فما يأتى الروضة الشريفة .
فيصلى بها تحيه المسجد فى أدب وخشوع وليعلم أنه عالم بحضوره ، وأنه يبلغ صلاته وسلامه فليمثل صورته الكريمة فى خياله موضوعاً فى اللحد أمامه ، وأن الله وكل بقبره ملكاً يبلغه سلام من سلم عليه من أمته ، وليتمتع بالصلاة فى مسجده فهو الذى قال صلى الله عليه وسلم : (( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام . )) رواه البخاري واللفظ له ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبى هريرة (صحيح) ( صحيح الترغيب والترهيب 1174). وقال صلى الله عليه وسلم : ((لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة أو شهيداً)) رواه مسلم والترمذي وغيرهم عن أبى هريرة (صحيح) ( صحيح الترغيب والترهيب 1186) .وقال صلى الله عليه وسلم : (( من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها )) رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي عن ابن عمر (صحيح) ( صحيح الترغيب والترهيب 1193)
ويأتى موعد الرحلة فى هذا العام والمسلمون تتلاحق الكوارث وتنتابهم المحن وتفزع قلوب البعض منهم ... فيتجرعون المرارة ويذوقون الحرمان الآلام .... تناحر بين المسلمين ، وولاء لأعداء الدين .. حتى طار الحق باطلاً ، والباطل حقاً ، ومبادئ الأمس أصبحت جرائم اليوم ، وأمست شعائر الإسلام لا تمارس إلا بتصريح من أعداء الحق .
بالحصار فى ليبيا والقتل والجوع فى ألبانيا والمسلمون العزل فى البوسنة والهرسك يذبحون ذبح الخراف فى البيوت وعلى أبواب المساجد وفى داخلها وتعلق رفاتهم فى الشوراع والميادين .. ومع هذا الأسى فباقى المسلمين لا حراك لهم والعضو أصابه الشلل يشعر بألم الآخر ولا تسمع إلا ردود فعل شاحبة واحتجاجات هشة باهتة .
فأين الشرعية الدولية المزعومة ؟ أين قرارات الأمم المتحدة ضمن الباب السابع والتى صدرت فى شأن طائرة ركاب أمريكية مع أن القتلى هذه المرة بالألوف ؟ ومن قبل ذلك فى بورما بمئات الألوف .. ولم يتحرك العالم إلا على الورق الاحتجاجات صحفية ، والقرارات شفوية ، والزيارات مسرحية ، والقتل مستمر للمسلمين والظلم لهم مباح مادامت القنابل بعيدة عن المصالح الأمريكية فلا انزعاج هذه المرة يمكن أن تحل النزاعات عن طريق التفاوض والمسلمون فى الأراضى المحتلة فى فلسطين ولبنان كل يوم يلاقون القتل والتعذيب والتخريب والعرب مختلفون من أجل ترميم قبة الصخرة المشرفة والعدو الصهيونى يعلن مسئوليته عن هذا الترميم .
إذا أنت لم تَعْـرِفْ لنـفسك حقها
هوانًا بها كانت على الناس أهـونــا
الشرعية الدولية فى أجازه ، والأمم المتحدة خرساء والحكومات الإسلامية والعربية يهيمون فى واد بهيم و إلا أين النصرة ؟ وأين الكرامة ؟ يبدو أن دماء الضحايا بالمستوى القانون الدولى ويبدو أن من يزعمون أنهم حراس العدالة يغمضون أعينهم أحيانا حينما يكون القتلى من المسلمين وحينما يكون الخطر بعيداً عن البترول وعن مصالحهم .
فنداء من القلب إلى قاصدى البيت الحرام ودعمه لهم عند الوصول أن يتعلقوا بأستار الكعبة رافعين أصواتهم بالاستغاثة بالمولى الكريم مغيث المكروبين وبأن يكون للمستضعفين ناصراً وظهيراً ، وأن يعجل بالغضب والنقمة من الظالمين أعداء الدين وأتباعهم وأشياعهم ومن رضى أو سكت عما يفعلون : (( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )) (38) الحج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق