المتنبي وأسماء
(( 16 ))
ماذا أعددت َ يا متنبي لجولة اليوم ؟ قصة بقصة . ماذا تعني يا متنبي ؟ قصصتَ عليَّ نهار أمس قصة الطبيبة أسماء مع شاعرها ( وحيد الكامل )
الذي كان ذات يوم أحد مرضاها فعالجته بجلسات الطب النفساني فتشافى على يديها من السوداء أو الكأبة التي كادت أن تودي بحياته إنتحاراً . ثم وقعت في حب جارف معه أفقده زوجه ( سوزان ) الفرنسية بالطلاق وعرّضها لمساءلة مجلس أطباء تأديبي . بالضبط يا متنبي ، كانت هذه حكاية الأمس التي قصصتها عليك . اليوم جاء دورك حسب الإتفاق أن تقص عليَّ قصة شبيهة أو مماثلة أو قريبة من قصة ( أسماء ) . لا تنسَ أن محور قصصنا وملاحمنا وعنترياتنا هو الرومانس لك أو لغيرك . علي َّ أو عليك . قال وما زلنا في هذا الموضوع المُغري وليس لدينا ما هو أحلى منه وأكثر بهاءً . أحسنتَ يا متنبي . هيا ، توكّلْ . قال تمهّل ْ . أعطني فُرصة لأخذ قسط من الراحة فقد أتيتك من أقصى أطراف الكون مشياً على قدميَّ كنوع من الرياضة ، فقد نصحتني طبيبتي أن أُكثر من التمشي لتصريف السكّر المتبقي في دمي . لا تنسَ إني لست ماكنة ً ولا ساعة َحائط ولا رجلاً ميكانيكياً كزوج ( أسماء ) الأول . ألقيتُ عليك القبض أبا الطيّب ! يبدو أنَّ أمورك (( ماشية / كويسة )) مع طبيبتك . ماذا تقصد ؟ سألني صاحبي . أقصد أنك رجل ٌ نشط تقوم بواجباتك نحو طبيبتك خير قيام . كان زوج ( أسماء ) الأول رجلاً ميكانيكياً في علاقته الجنسية معها . ما كان يفهم حاجاتها البايولوجية والنفسية كأمرأة . يقضي حاجته على عجل ثم يتركها متمرمرة ً متهيّجة في أعلى درجات توترها الجنسي والنفسي فتخمد وتهفت نيرانها المتأججة ثم تبرد بروداً قاتلاً لا معه في التوقيت الحرج ولكن لحالها المسكينة بتآكل رغبتها وحاجتها وخفوت توترها الجنسي . قال محتجاً : وما علاقتي بهذه الشروح التي قرأتها أنت في كتاب الطبيبة ولم يتسنَ لي قراءتها بعد ؟ علاقتك أبا الطيب مزدوجة ، نفيت من جهة أنك رجل ميكانيكي فتذكرتُ ميكانيكية زوج الطبيبة السابق . ثم ... ذكرتَ طبيبتك فذكّرتني بقصة طبيبتنا ورومانسها اللاهب مع مريضها الشاعر . أنت مثله شاعر وأنت كذلك تعالجك إمرأة طبيبة ... فهل فهمتَ أوجه الشبه وهي كثيرة ؟ قال سبحانَ الله ! أكلُ مريض يقع في غرام الطبيبة التي تعالجه ؟ وهل تستجيب أو تتجاوب الطبيبات مع مَن يقع في حبهنَّ من مرضاهن َّ ؟ قلت لا مستحيل في الحياة . كل أمر جائز . أنت مثلاً أشعر من ( وحيد الكامل ) . ثم َّ هو مريض نفسيا ً وأنت مريض جسديا ً لكنك بكامل عقلك . كيف أوقع عليل ٌ كئيب ٌ طبيبته في غرامه ؟ قال المتنبي كانت ( أسماء ) طبيبة نفسانية ، أي تعالج النفوس المريضة وأنا معافى من هذه الناحية . أي إني محصّن ضد إغراءات الطبيبات . مرضى النفوس ضِعاف يسهل إصطيادهم وهذا ما حصل لأخينا ( وحيد الكامل ) . هذا ما قاله أعضاء المجلس التأديبي للطبيبة فرفضته وفندته وأفحمتهم وقاطعت الجلسة وغادرت القاعة فخسرت مهنتها التي أفنت فيها زهرة شبابها . كانت شجاعة . إعترفت علناً بأنها تحب الشاعر وإنها مارست الجنس معه . وإنها تعرف أنه رجل متزوج من سيدة فرنسية وإنها تعرف أحكام (( أخلاق المهنة )) . كانت شجاعة بدفاعها عمن أحبت وعن حاجات وحقوق المرأة الأساسية في الحب وممارسة الجنس . وقد وصفت ساعات الحب مع شاعرها أبدع وصف ، قبل وأثناء وبعد ممارسة الجنس في الغرفة الزرقاء مع أو بدون زجاجة نبيذ فرنسي مُعتّق . إعتدنا أن نقرأ مثل هذا الوصف من الرجال لكنَّ الطبيبة أسماء تفوّقت على الجميع . إمرأة بليغة في التعبير عن حاجات المرأة الجنسية والرومانسية الأساسية . إمرأة من حب ، تنضح بالحب ، لا تتكلم إلاّ حباً ولا تتنفس إلاّ حباً . الحب دينها ودنياها ومحور حياتها وتفكيرها فهل أجرؤ على أن أسميها (( وهي أسماء مجموعة ))
{ فالنتينة } أو { كازانوفة } أو { دون جوانة } بمجرد إضافة تاء التأنيث الساكنة لأسماء أشهر نجوم الرومانس في تأريخ البشر المعاصر من بين الرجال ؟! تظاهر صاحبي المتنبي بإفتعال بسمة إصطناعية مثل ورود البلاستيك الرخيصة ، إلتقطتها بحاستي السادسة على أنها بسمة سخرية وهُزء . قلْ يا متنبي ولا تتردد ولا تتعثر . نحن في أوربا بلد الديمقراطية والتعبير الحر عن أفكارك وعمّا يعتملُ في صدرك من وساوس وشكوك ... هيا قلْ ولا تخفْ . قال لست متردداً ولا خائفاً ولا مجاملاً وأنا القائل :
فلا مُبالٍ ولا مُداجٍ ولا
وان ٍ ولا عاجزٌ ولا تُكَلة ْ
إنما ، أضاف ، أضحكني موضوع تاء التأنيث الساكنة !! ما الذي أضحكك فيها يا شاعر ويا أمير العربية ؟ ضحك بصوت أعلى ثم قال : أكل هذا الحب الجارف الذي طغى وتجاوز كل الحدود والأقاليم والأعراف وكشف المستور تأتي أنت المتعاقل المتفلسف لتضيف حرفاً مدوّرا ًً صغيراً واحداً إلى إسم طبيبتا الجسورة المقدام التي شققت الحُجب وتحدت العالم والأطباء ومجلسهم التأديبي وخسرت مهنة الطب ...تأتي أنت فتحاول تأنيثها بهذه الحلقة أو الدائرة المغلقة التي نسميها ( تاء التأنيث الساكنة ) ؟؟
ثم ، رفع عقيرته قليلاً ، هل تتقبل هذه السيدة المقدامة حالة السكون وحياتها تمرد وحركة وثورة وتحدٍ وعصيان ؟ هي والسكون على طرفي نقيض . فقدت نصف صدرها فصمدت . فقدت زوجها الأول فكانت فخورة بذلك إذ حررت نفسها من حالة لا ترتضيها لنفسها . تزوجت من أحد زبائنها المرضى فمات بعد الزواج بفترة قصيرة بمرض سرطان الرئة . أية حياة عاشتها هذه السيدة المتألقة أبداً الشامخة أبداً ، أية حياة . سرطان الثدي ... طلاق ... زواج ثان ٍ قلق أصابه زلزال في بدايته ... ثم موت الزوج الثاني المبكر بسرطان الرئة . سرطان / طلاق / زواج / سرطان / موت . أية مأساة بل سلسلة من المآسي واجهتها الطبيبة أسماء في حياتها ؟
أحرجني صاحبي بمنطقه وحرارة دفاعه عن أسماء / المرأة . أوقعني أو كاد في حبها تضامناً معها في محنتها الوجودية المتعددة الأوجه والأشكال . أو إستسلاماً لقوة تأثير شخصيتها وأنوثتها وجرأتها في كشف خصوصياتها الدقيقة ثم تمجيدها للحب وطقوس عبادته كأسٍّ جوهر في الحياة ومحرك نفوس وأرواح وأجساد البشر لإنجاب أفضل الأبناء وأرقاهم يأتون حصيلة حب حقيقي عميق متبادل ليواصلوا دورة الحياة ويخلدوا أبويهم . الحب المثالي يأتينا بأفضل الأبناء . هذا هو سر الطبيعة الذي عرفته جيداً طبيبتنا أسماء . ممارسة الجنس هي وسيلة الإنجاب الطبيعية . ولا جنسَ حقيقياً عميقاً متبادلاً إلاّ بين عشاق معاميد حتى نخاع العظم وآخر الدنيا . أقف معك دكتورة أسماء دون تحفظ وأقدم لك ورود يوم المرأة العالمي وأرجو لك مخلصاً زواجاً ثالثاً ناجحاً كسابقه . تزوجي من الدكتور ( الصافي ) فآخر زواج ربما يكون أفضل الزواجات ... ربما.
العمر تقدم والطبيعة ( خفّت ) فيك موازينها و( الصافي ) رجل متزن معافى وليس مدخناً ولا شاعراً . ثم جربي زواجاً دون الحب الماسي والعقيقي الذي تبغين وتحلمين به . ولّى زمن الأحلام وهلَّ قانون وسلطان العقل والحكمة .
ما رأي المتنبي ؟ كلامك صحيح وأضم صوتي لصوتك وأنصح أسماء أن تقبل الصافي زوجاً ولا حول ولا قوة إلاّ بالله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق