رؤي فلسفية في التنمية البشرية
لأيمن غنيم
اللقاء الرابع عشر( السعادة)
كل منا يبحث وبإمعان عن السعادة منذ لحظة الميلاد . حتي الموت . وهو لا يمل ولا يكل بحثا عنها بكل ما أوتي من قوة وجهد . وقد تبدو سرابا . في النهاية لأنه يبحث عنها خارج ذاته . ظنا منه أنها محسوسة في أمل مترقب . أو طموح متجدد . أو هدف يدق بدفوفه علي مسامعه . ويجري عبثا ويشد الرحال إلي دنيا لا يعرفها مغتربا . ويحضن بتلابيب قلبه بنبضات هي عفوية .أو في كلمات غرام منسية.
يسابق الخطي سعيا منه لإدراك ماهية واقعها . وحقيقة مدركاتها . وهو لا يدري أن السعادة تكمن في ذاته . وفي حقيقة قناعاته . فالسعادة ليست بمحسوسات يمكن تلمسها . وليست في هتافات الإنتصار . أو صياحات النجاح . وليست بالنتائج المرجوة أو الآمال العريضة التي ننشدها . إنما هي نهج وأسلوب حياة .
نعم فكثيرون من البشر قد يختلط عليه الأمر . فقد ينظر للسعادة منظور إبتهاجي وغفوة فرحة في واقع كئيب . ونشاط عارم في أجواء الصمت البليد . وهناك من ينظر إليها من منظور شهواني بحثا عن جمع المال. أو لحظة ماجنه يختلس فيها ممنوع قد حرم أو يسترق فيها لحظات عشق مزيف . أو ممارسة حرية عبثية يخرج فيها عن نص الشرع ومنهاج التشريع . هؤلاء ليسوا بسعداء .
إنما هم يعبثون بواقع الجمال . ويهرعون إلي مكائد الشيطان . يخدعون أنفسهم بقناع الزيف وتضليل انفسهم بأنفسهم.
إن السعادة الحقيقة تكمن في ذاتك . وفي الأسلوب الذي تنهجه وتدعمه في التعايش بسلمية مع قدراتك وإمكانياتك المتاحه . وطبيعة أدواتك التي تملكها مع مطالبك وأحلامك . إذا ما أنت أوجدت التوازن بين ماهو ممكن أو متاح لديك وماهو أنت قادر علي تحقيقة وبين مطلبك أو هدفك . إذن فأنت ملكت زمام سعادتك . فالسعادة في السلام الذاتي والأمن الداخلي الذي يتحقق في ضوء تعايشك مع واقع حياتك . ومن هنا يأتي الإنسجام الذاتي بين مقومات البشر بداخلك وهي الجسم والنفس والعقل . إذا ما تحقق الإنسجام بينهما . تحققت السعادة . وقد خضعت السعادة إلى تعريف فلسفي منذ القدم .
فقد عرفها أفلاطون بأن السعاده يمكن لها أن تتحقق بالفضيله . وفي المدينة الفاضله . أي هي جزء لا يتجزأ من الفضائل .
وقد عرفها أرسطو أنها مزيج مابين رضا النفس ورغباتها ورضا الضمير . فهي لا تخرج عن عبائة الفضيلة .
وعرفها البرجماتيين بأنها كيفية الحصول علي المادة واخضاعها لتلبية حوائج النفس . وإرضاء نزواتهم .
إلا أن الإسلام والمتدينون قرنوا مفهوم السعادة بالروحانيات وعلاقة العبد بربه ومدي الإيجابيات التي يسلكها الفرد في سلوكه وعبادته مع الله .
وأكاد أجزم انا أيمن غنيم بأن السعادة ماهي إلا لغة التسامح التي يحققها الفرد بينه وبين نفسه . وهو السلام الذاتي وفق معايير أخلاقية سمحة وفضائل ملموسة في حيز الواقع . ومدي ما تحققه أنت من إسعاد غيرك . فالسعادة لا تجي فرادا . فمن العبث أن تضحك او تستشيط فرحا بمفردك فذاك جنون . فالسعادة هي مردود معنوي تستشعره من خلال إسعادك للآخر . فهو بمثابة كرة البنج بونج لا تعرف سكينة ولا هدوء إذا ما تبادلها اللاعبين مابينهما . هكذاا السعادة .
لا تخرج عن إطار ايمانك بقناعاتك الفطرية التي تدعم الإنسانية في كل محفل وتصرف . وتزفه للآخر بإيقاع من الرضا والتسامح . لكن أود أن أهيب بكم من خصومات السعادة وهي كثيرة والتي تكمن في الرذائل أو الموبقات أو المحرمات أو التي تنتهجها الشياطين وإن اختلفت مسمياتها . فالخصومة والعداوة التي تهلك السعادة وتقلص مفهومها . هي السيطرة . فاذا ما أنت تملكتك أحاسيس السيطرة والغوغائية فإنك مغتصب ولا يحين لمغتصب أو منتهك قيم أن يسعد . وثانيهما الطمع والطمع آفة تلتهم كل آفاق السعادة وتحولها الي درب من خيال لأنها لاتتحقق في أجواء الطمع العارمة والمتجددة بجنونية وسرعة عقارب الزمن . فلا زمن ولا حياة تكفل السعادة للطامعين في مزيد لا ينتهي . وثالثهما الأنانية فإن إعتزلت أو عكفت علي نفسك كشجرة حبست ثمارها علي نفسها فتعفنت وأصبحت لا تطيق وجودها . ورابعهما الحرية العبثية التي تمهق حق الآخر وتقتحم أسواره . وتجور علي الغير في سباق مع الأقوى وليس مع الأفضل . تلك هي منغصات السعادة بل لصوصها . فاذا ما أنت احسست بواحدة منها فأوقفها علي الفور . وخذ نهجا آخر لكي تنعم وتسعد بقدراتك وفضائلك ونعم الله التي لا تحصي لديك . وأدر ظهرك لماض فات ولا تمعن النظر في مستقبل آت.
وفقط عش قوة اللحظة المواتية لحاضرك والتي تمتلكها الآن .نعم فللحاضر قوة ضارية لا يستهان بها .
فمكن نفسك من حاضرك تغزو مستقبلك دون خوف أو قلق . ولا تلتفت لماضيك بحسرة وألم فأنت ليس إلا حاضرك . فإجعل من حاضرك بسمة تغمر أحزانك. وتنهي أوجاعك. وتلهم عزائم قدراتك. بأن تكون في حدود إمكانياتك .
ولا تجعل من طموحاتك بلا سقف تعيش بلا أمان .وعش بمعزل عن هواجس نفسك . فأنت لست إلا مخلوق خلق بقدر وسيعيش لقدر .ويموت علي قدر . فلا تمسخ حياتك بكثرة زخارفها . ولا تجلد ذاتك بذاتك . وتجعل من ذاتك سوطا غير رحيم بقدراتك إذا ما أنت كنت طاغية في محراب ذاتك . ونفس وماسواها فألهما فجورها و تقواها .قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها . صدق الله العظيم .
فكن أنت وزراء السعادة في حكومة ذاتك . لا تثور عليك نوازعك. ولا تتمرد عليك جوارحك . ولا تعبث بك حواسك وتكن علي ربوعهم سلطانا أبيا
رؤية وقلم أيمن غنيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق