الأربعاء، 13 أغسطس 2025

حلم الهوية : رحلة في أعماق التراب والنور للكاتب / فخر بن مجد

# حلم الهوية: رحلة في أعماق التراب والنور  

**للكاتب: فخر بني مجد**  

مقدمة: الأرض تستمع  

"فِي الرِّمَالِ الشَّمْسُ تُصْغِي لِلضِّيَاءِ الخَاشِعِيَّةْ  

وَالمَدَى يَسْقِي المَدَائِنَ بِرُؤًى إِيْمَانِيَّةْ"  

ليست الأرض ترابًا نخوض فيه، بل وعاءٌ يحمل ذاكرة الأجداد، ويُنبِت وعود الأحفاد. هنا تبدأ المعجزة: حيث تُصغي الشمس لخشوع الضياء، ويسقي الإيمانُ المدنَ قبل أن تسقيها الأمطار. وكما قال الفيلسوف **مالك بن نبي**: *"الحضارة تُبنى بثلاثة: الإنسان، التراب، والوقت"*. فالتفاعل بين هذه العناصر يصنع هويةً لا تموت.  

 الفصل الأول: الطين.. مهد المعجزات  

"مِنْ طِلاءِ الطِّينِ قَامَ الحُلْمُ فِي نَفْسٍ نَقِيَّةْ  

يَرْتَقِي نُورًا وَيَسْرِي فِي الدُّجَى سِرًّا خَفِيَّةْ"  


من تواضع المادة يعلو المجد! فالطين – ذلك المزيج الهش – يصنع القصورَ ويُخرِج الأنبياءَ. أليس آدم عليه السلام خُلق من طين؟ يقول تعالى: **{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ}** (المؤمنون: 12). إنها إشارةٌ إلى أن أصل العظمة يكمن في البساطة، وأن النفوس النقية وحدها تحول الطينَ إلى نورٍ يتسلل في ظلام التحديات.  

الفصل الثاني: الأرض.. وعاء الذاكرة والوعد  

"مِنْ رَمَالِ العِزِّ نَحْفُرُ فِي القُلُوبِ الحَيَّةْ  

كَيْ تَكُونَ الأَرْضُ وَعْدًا، لا هَوَانًا أَو مَنِيَّةْ"  


الهوية حَفْرٌ متواصل في صخر الوجدان، واستخراجٌ لِذَهَبِ الذكريات. فالأرض ليست "مَنِيَّة" (أمنية بعيدة)، بل "وعد" نصنعه بالأقدام الثابتة عليها. وقد روى البخاري دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: *"اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا"*. وفي الأثر: *"حُبُّ الأَوْطَانِ مِنَ الْإِيمَانِ"* – وإن كان حديثًا ضعيفًا، إلا أنه يعكس وعيًا جماعيًا بقدسية التراب.  

### الفصل الثالث: الصبر.. سيف الهوية المقدس  

"كَيْفَ تَنسَى الرِّيحُ قَوْمًا قَامَ فِي وَجْهِ البَلِيَّةْ؟  

صَوْتُهُمْ نُورٌ، وَسَيْفُ الصَّبْرِ فِيهِمْ قُدْسِيَّةْ"  


عندما تحل البلية، يصبح الصبر سلاحًا يُشع نورًا في وجه الظلام. هذه "القدسية" في الصبر هي ما جعلت الأبطال مثل **عمر المختار** يرفعون صوت الحق: *"نحن قوم لا نستسلم.. ننتصر أو نموت!"*. ويأمرنا القرآن: **{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}** (البقرة: 45). فالهوية لا تُصنع في الرخاء، بل في رحم المعاناة.  

### الفصل الرابع: العلو.. من الكتاب إلى الأبهة  

"أُمَّتِي نَبْضُ الكِتَابِ، وَصْفُهَا فِي الأَنْبِيَّةْ  

كُلُّ شِبْرٍ فِيهِ آيَاتُ السَّنَا الرُّوحِيَّةْ"  

الهوية الحقة ليست في التباهي بالأنساب، بل في الارتباط بالكتاب الذي تسري نبضاته في عروق الأمة. فكل شبر أرض يحمل "آيات السنا الروحية" – شواهد على حكمة إلهية وتضحيات بشرية. ويحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم: *"مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ"* (صحيح البخاري). فالأرض أمانة، والدفاع عنها عبادة.  

### الخاتمة: الهوية.. وعد لا ينكسر  

"لَنْ نُفَرِّطْ فِي الثَّرَى، نَبْقَى رِجَالًا فِي القَضِيَّةْ"  


الهوية ليست شعارًا نرفعه، بل عهدٌ نحمله في قلوبنا قبل ألسنتنا. إنها ذاكرة الطين، ونور الصبر، وعهد الأنبياء، وصمود الأجداد. وكما كتب **المتنبي**:  

> *"ذُلُّ مَنْ يَغْبِطُ ذَا عِزٍّ بِذُلِّهِ*  

> *كَالْعَاجِزِ الْبَائِسِ يَرْضَى بِالْفَضَائِلِ"* 

فليكن حلمُنا – كالذي سُطِّر في الأبيات – بناءً لا تفريطًا، وعزًّا لا هوانًا، وارتقاءً في "أُبَّهِيَّة" تستمد بهاءها من الإيمان بالتراب والنور معًا. 

"الهوية تُنسج بخيطين:  

> خيطٌ من **تراب** يربطنا بالأرض،  

> وخيطٌ من **نور** يصلنا بالسماء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون