(٥٤) قاض بلا وجدان
بقلم حمدى بهاء الدين
من البديهيات التى تعلمناها فى محراب العدالة أن القاضى يحكم بحسب ما يطمئن إليه ضميره ويستقر عليه وجدانه خاصة فى المحاكمات الجنائية فلا يقف عند نص ولا يقيده مستند طالما كان هذا الاستخلاص سائغا ومقبولا ولعل ذلك يناقض ما نراه اليوم وما نشاهده على منصة القضاء فما أسوأ من أن يسجن القاضى بين نص الجريمة وبيان العقوبة وأن يكون مقيدا بين عبارات النص وجمود العقوبة دون أن ينظر للظروف أو الملابسات أو الدوافع أو المبررات ودون أن يعطي أى من ذلك أى اعتبار وكأنه ملتزم بإجابة محددة وفق نموذج محدد ، ما أبشع أن يتقيد القاضى بالأدلة الثابتة فى أوراق الدعوى دون النظر إلى الأدلة الأخرى التى يقدمها الدفاع سواء متهم أو مجني عليه وكأنه موظف مقيد بالتعليمات محصور بين القواعد والأوامر دون أن يتأثر بدفاع دون أن يبحث عن الدافع أو الباعث سواء كان الباعث نبيلا أو حقيرا وكل ما يقوم به أن يربط بين القيد والوصف والعقوبة دون ترك مساحة للشك أو الإحتمال ويكون لديه الضارب مجرم ولو كان دفاعا عن النفس والسارق مجرم ولو سرق جوعا ، لا مجال لديه للرحمة فهو بعيد عنها ، دوما يشغله الكم وليس الكيف ، الوقت لديه اهم من العدالة ، والحكم المطبوع هو أعظم وسائله وخاتم الأحكام على الغلاف الخارجي للقضايا هو أعظم إنجازاته ، لا يعرف سبيل البراءة ، أحكامه بين الإدانة أو الرفض والتأييد وكأن كل القضايا فى قوالب جامدة وأحكامه تخلو من إبداع ، تخلو من البلاغة ، تخلو من التسبيب المقنع والحيثيات التى تجعل المتخاصمين فى حالة رضا واطمئنان ويرسخ مبدأ العدالة والتساؤل هنا ما الذى أوصل منصة القضاء إلى هذه الحالة ؟ هل هو التوريث والمحسوبية والواسطة واستبعاد النابهين بحجة عدم الملائمة الإجتماعية أم هو الصلف والتسلط والعنجهية وانعدام الموهبة ؟ ما أخطر من أن يتحول القضاء إلى وظيفة وأن يصبح العدل غاية لا تدرك وأن يسود الظلم عن عمد أو جهل ، ما أصعب أن يجهل القاضى قواعد الإستنباط أو يفهم مدارك الإستدلال وأن يغلق وجدانه ويصم أذنه ويجعل الران على ضميره ويجعل بينه وبين الحق حجاب ويصبح قاض بلا وجدان ويصبح القاضى العادل عملة نادرة ويصبح القاضى الإنسان استثناء لا قاعدة ويصبح العدل صعب المنال
# بقلم حمدى بهاء الدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق