الأربعاء، 29 أبريل 2015

البيت الحوت ...... بقلم الأديب الأستاذ / أحمد عفيفى






(الـبـيـتُ الـحــــــــوت!!)قـصــة
**********************
بقلم الأديب:أحمد عفيفى
******************
ثارت أمه آنذاك وأزبدت حين أسرَّ إليها برغبته فى الزواج من -سميحه-
كانت حُجتها فى الرفض:فقرها, وكثرة أخواتها, وفارق السنوات الثلاث التى تكبره بها..غير أن المعضلة لم تك رغبة أمه وكيفية إرضائها فليس مطواعا إلى هذا الحد,بل كانت راتبه الزهيد- بعد خروجه من الحرب-, وحاله الذى لا يتميز كثيراً عن حال سميحه
*كان يرقبها فرحا وهى تتهادى بالطريق المؤدى إلى السوق برشاقة -فطرية- حيث كانت أنحف من ظلها..وكانت مليحة وعفوية وبسيطة, لم يشغلها مثل الكثيرات:إفتتاح المدينة الحرة والشغف بالذهاب إليها..وكان حين يلتقيها خارج الحارة, يسلكا طريقا هادئا وكالعادة ينصت لحديث عينيها الصامت ممعنا التأمل فى وجهها الطفولى المليح, فيراه كوجه قديسة جميلة هجرت الدير لاستقبال فارسها الذى سينتشلها من أعوامها الثلاثين الفائتة!!
*سنواتُ ثلاثُ مرت بعد ذلك, وكأن فيروساً محا ذاكرتة, عدا حيز فى حنباتها, ليس به سوى صورتها, وصور أشباهه العائدين من جبهة القتال, وطنين دوىّ الطائرات والدانات, وهيستريا الغبار والرمل والاصوات..
كان إبّان المعارك الليلية بين الدوىّ والزئير والصمت, يستجلب صورة-سميحة- ببرائتها وبسمتها الساحرة, فيمسك بخصلات شعرها المتدلى حتى قرب ردفيها, ويروى ظمأه من بئر عينيها العسليتين, ويسكر من صوتها الخافت الحنون{ مباركة سميحة بين النساء, كم تمنى أن يمنحها ما تبقى من عمره, لتمنحه الحياة..الحياة التى أُخذت منه أكثر مما أعطت..وكان أجدى بها أن تترك الشبان شبانا, وتترك له سميحة التى زُفّت الى -مسعود- الخردواتى عن طريق الخطأ!
* ثم مرت ثلاثون, أنشأ خلالها بيتاً تحول الى-حوت- , فكلما تجول بأرجائه, إستبشعُ الوحشة, وزخم العنكبوت, والأغلال الجارحة, قيتبرّم, ويتأوّه داخله, ويغيب, فتفيقه صفعة مباغتة من حفيده, الذى يقف بعدها صامتا مترقبا يمنى النفس أن يكون جده فى حالٍ يسمح بالغفران!!
*وها هوذا يدفئُ بالذكريات ليله ووحشته وأصابعه التى لم تزل محشوّة بلغته الحزينة, يتساءل:ماذا سيفعل الدهرُ به, وهل مازالت تتذكره -سميحة-التى مازالت تتهادى رشيقةً متألقةً فى مشيتها, تومئ له باسمة كلما تقابلا صدفة بالطريق, وكأنها تخبره أنها لم تزل فخورة بأنوثتها وأن العزاء له, وليس له سوى أن يعود الى بيته -الحوت-الذى يُغشى الخواء جدرانه وحجراته, كما لو كان يوحى له أن الوقت شاخ , وأن عليه أن ينسى أو يتناسى-سميحة- التى من أجلها حارب, وانتصر, وانهزم!..
وحده إذن, وسيظل, يهيئ مداد الكلام, ويجُزُّ اعشاب حجرته ليطمئن أن ليس بها دخلاء يختبئون كأشباحٍ ليقُضون مضجعه.. وحده, وموقده الصغير, وإبريق قهوته, ومرآته التى يسكنها قرينه, ينادمه, ويشكو له أوجاعه, وشُحّ مائه, يمنحه سرّه, ثم يرفع له فنجانه ليش سويا نخب وحشته, حنى يجئ الصباح, فيستنشق هواءه, وينفِّض ذاكرته من الذين علقوا بها عدا -سميحة-..ستظل ذاكرته وعاءً لها, وعاء مفعم بالماضى والحاضر@
***********************
من مجموعتى القصصية=طقوسٌ صارمة=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون