الجمعة، 15 أغسطس 2025

في يوم الهجرة بقلم الشاعر / عبدالعظيم كحيل

 في يوم الهجرة

🕊️ كل عام وأنتم بخير

بقلم الشاعر: عبد العظيم كحيل – لبنان

بمناسبة رأس السنة الهجرية


في اليومِ الأول،

من الشهرِ الأول،

من السنةِ الأولى للهجرة،

كُتب أول فَصلٍ في تاريخِ أمَّتِنا...

تاريخٌ لا يَبدأُ من قصرٍ،

ولا من عرشٍ،

بل من مغارةٍ،

ومن ليلٍ طويلٍ يُطارد فيه النورُ الظلام!


الذين أُخرجوا من ديارهم بغيرِ حق،

إلا أن يقولوا: ربُّنا الله!

هاجروا لأنهم قالوا:

نعبدُ اللهَ الواحدَ وكفى... لا!

هاجروا لأنهم قالوا:

نعبده ولا نُشرك به أحدًا... لا!


لم يهاجروا بحثًا عن ترفٍ...

بل فرارًا بدينهم،

فرارًا بحرِّيتهم،

فرارًا بكرامتهم من سيوفٍ تفتك،

وقلوبٍ تُجيدُ الكراهية!


لو كان الإسلامُ كهنوتًا،

بفصلِ الدينِ عن الحياة،

ما كانوا ليهاجروا،

وما كانوا ليتعذّبوا،

وما كان التاريخُ ليبدأ!


تركوا بيوتهم وأرزاقهم،

أهليهم وعشائرهم،

تركوا الأرضَ التي تربّوا في أحضانها،

تركوا أمّ القُرى... مكّةَ المكرمة،

تركوا الكعبة والمروة والصّفا...

أتراهم هاجروا هكذا وكفى؟!

لا، وألف لا!


لقد ذاقوا الأمرَّين،

من أبناءِ جلدتِهم!

قَتلٌ، تعذيبٌ، تضييق،

وحصارٌ في شِعابِ مكّة!


ثلاثُ سنين...

أكلوا أوراقَ الشجر،

أكلوا الدابةَ التي بها العَون قد حَضَر،

يأكلونها مع القليل من الزاد،

ويقولون: الحمد لله،

ولا يُحمَدُ على مكروهٍ سِواه...


جبابرةُ قريشٍ وأسيادها،

جمعوا بُسطاءها وضُعفاءها!

أُمُّ عمار... أوَّلُ شهيدةٍ في الإسلام،

وياسرُ... قُتِلَ تعذيبًا،

وعمارٌ... صرخ مُكرهًا: "هُبَل، هُبَل"،

وصخرةٌ فوقَ صدرِ بلال،

تَسحقُ الإيمانَ فلا ينكسر!


الصحابةُ يقولون:

"دَعْنا يا رسولَ الله،

ندفعُ الأذى عن أنفسنا!"

فيجيبهم سيّدُ الخلق:

"لَم نُؤمَر بعد!"


ويقول لهم:

"صبرًا آل ياسر،

فإن موعدكم الجنة!"

صبرًا... إن الله مع الصابرين!


ثم جاء يومُ الرحيلِ إلى يَثرب،

فبدأ التقويمُ الجديد،

وتغيّر التاريخ،

وبدأت دولةُ الإيمانِ على أرضٍ جديدة،

وبُنيَ مجتمعُ العدلِ والرحمة.


لأن الحديد لا يُدقّ إلا بالحديد،

ولأن القرآن قالها:

"وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شديد..."

شُحِذَت السيوف، ورُصّت الصفوف،

وصاروا على قلبِ رجلٍ واحد!


جاءت الفتوحات،

وكان فتحُ مكّة... فتحَ الرحمة،

"اذهبوا فأنتم الطّلقاء"،

لكن الخُبثاء، قال فيها:

"اقتلوهم ولو تمسّكوا بأستار الكعبة!"


أُرسلت الرسائلُ إلى ملوكِ الأرض:

إلى كِسرى،

وإلى قيصر،

وإلى النجاشي،

وإلى اليمن...


لكن كسرى وقيصر...

عادا اليوم باتحادٍ جديد،

بأسماءٍ أخرى،

وأذيالٍ جديدة!


عاد يهود بني قريظة،

وبني النضير،

وبني قينقاع...

لكنهم اليوم في هيئةِ صهاينةٍ عملاء،

وخونةٍ من جلدتنا،

باعوا القدس، وباعوا الدين،

واستبدلوا التاريخَ بالتقويمِ الميلادي،

ونسوا أن لهم تقويماً يبدأ من هجرة،

من كفاح، من نور، من دمعة،

من "صبرًا آل ياسر!"


فهل بقي لنا تاريخٌ نُؤرَّخ به؟!


في اليوم الأول،

من الشهر الأول،

من السنة الأولى للهجرة،

قال الحبيبُ المصطفى ﷺ:

"لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس"


فيا أُمّتي، لا تيأسي!

ففيكِ الخيرُ ما بقي القلبُ ينطقُ "لا إله إلا الله"،

وفيكِ النورُ ما دام الأذانُ يعلو،

وفيكِ الصبرُ، ما دام التاريخُ يبدأُ من الهجرة، لا من الهزيمة...

ولعلّ الخيرَ قريب...

عسى أن يكون قريبًا...

لا أدري... ولكنِّي أُؤمن.


🕊️ كل عام وأنتم بخير بمناسبة رأس السنة الهجرية،


نسأل الله أن يُعيد لنا أيام العز والمجد،

وأن يُهيّئ لهذه الأمة أمرَ رشد،

فتعود كما أراد الله لها... خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون