بعد أن أفطر صديقي وتناول طعامه الشهيّ واحتسى ما طاب له من الشراب النديّ
تمطّط وتمغّط وجاءه وحْيُ شِعر وان شئتَ قلت جاءه لا شيئ ! تنحنح مع كتفيه
ومنكبيه وهزّ عارضيه ! ثم نظر اليّ وهمهم بما لا أسمعه ! ولما سمعته لم
أفهمه ! قلت له ما هذا الكلام الذي هو من الوضوح بحيث ينقصه الكلام ؟! قال
هذا شعر أراه رقيقا ! ولو تمنعنتَ به لرأيته ألماساً وعقيقا ! قلت له :
أراك بعد الافطار تهذي ! فلا أنت قلت من الشعر هذا ولا من الخواطر َهذِي !
هل تقبل أن أعتبر نفسي الان صاحب كاميرا خفية لا أنشر ما
قلتَ الا بعد إذنك وتوقيع إسمك وتأصيل رسمك ؟ قال : انشر ما بدا لك فقد
أدخل تاريخ الأدب من أول تجربة ! قلت له أكرر لك ذات السؤال لئلا يضحك
الناس من قولك ؟ قال أتحدى أن يرفض ما قلتُ غيرُك ! قلت : ايها الأصحاب
والأحباب : لا يغترّ أحد برأيه فمن اغتر بنفسه ضل ومن استأثر بقوله زلّ !
لي صديق حاول أن يجرّب حظه فقال قولا ليتكم تعينونني وتبينون لي غامضه
وتعلنون غوامضه فهو قد زاد الغموض غموضا ! وهو لا يعرف القافية ولا الشعر
ولا العروضا ! لا أريد أن أذكر اسمه ولا أنشر رسمه فأنا أحب الستر طولاً
وعرضا حفظاً على منبت الخير لاأفضح عِرْضا ! قال الأحبة ماذا قال صاحبك
الخفيّ ؟ قلت قال ما يلي وما به ابتُلي ! قالوا هات ما عندك ! قلت لهم لم
أذكر مما قال شيئا ! سوى بعض الكلمات التي لو جُمِعت حروفُها لضحِكَتْ !
وطارت عن ثبجات السطور وفرّت ! أذكر جملة مما قال وليته لم يقل : حين وثب
الأرنب وثبته ! اهتز لها ذيل الأسد ! تعجب بعض من ذكرت لهم استهجاني وأظهرت
لهم أشجاني ! وقالوا : لم نر ما رأيت أنت مما تقول ! بل نرى ما قال صاحبك
قولا جميلا ! قلت لهم : أنا معكم كالمستجير من الرمضاء بالنار ! قالوا كيف :
قلت : الوثبة لا تكون الا لذي همة كالنمر والأسد ! والذيل لا يكون الا
للطائر المغرّد ! فالذنب للوحوش وحاشاكم يكون أيضاً للجحوش ! ضحكت أنا بعد
ما فسرته لهم ! فانكسف البعض وخجل ! وتبرأوا بعد ذلك مما استحسنوه بعد أن
أكالوه ووزنوه ! ثم توجهت بوجهي تلقاء صاحبي المستشعر أنه قد أصاب كبد
الشعر وقلبه ! ثم قلت له : أنا أحب أن تحاول مرة ومرات عديدة حتى يتسنى لك
ما تحب الوصول اليه لكن لا يتم ذلك كما تتمنى في ساعات أو دقيقة ! قم فاسبح
في بحور العلم والتقط من حِليّ الألفاظ ما يتلألأ ومن جميل المعاني ما
يقول نعم ولا يقول لا ! حينها يا صديقي تبدأ بالمحاولة فأنا ما زلت أسبح
وأعوم وقد أقع في حفرة الخطأ ولا أقوم ! قال صديقي : صدقت ! قلت له بوركت
ووُفّقْت !! قلم وصفي المشهراوي !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق