الجمعة، 31 يناير 2020

القديس ... قصة قصيرة للكاتب / محمد محمود شعبان

(القديس)
قصة للكاتب / محمد محمود شعبان
\¶\¶\¶\¶\¶\¶\¶\¶\¶\
.
في الكنيسة ألقوا النظرة الأخيرة على ( كارلوس ) .. كارلوس هو الذي بادر كعادته وبطريقته المعهودة قائلا: لا عليكم جميعا، أنا من سيحضر حماتي حبيبتي من المطار .. رغم أن ( ابانوب ) _ على كثرة شواغله _ كان قد أظهر استعداده للقيام بهذه المهمة.
أترى أن كارلوس فعلها ليضع أبانوب في حرج، ويظهر أنه هو الخدوم الوحيد الذي يتفانى في خدمة العائلة وكبيرتها؟، أو أنه فعلها انتقاما من أبانوب، نعم،.. تلك الليلة التي لفها الشتاء البارد، وكشف البدر عتمتها، وجد أبانوب أن كارلوس أطال الشكوى من الجو القارس، وألح على الجميع في إنهاء النزهة والعودة سريعا للبيت لإكمال السهرة في أحضان الجدران المغلفة بالدفء، و شجرة الميلاد التي تسر الناظرين..
لو أن أحدا مكان أبانوب لشعر حينها بالضيق الشديد ولجال في صدره أن كارلوس شخص يفسد الخروجات والفْسَح ويحب فرض الرأي والظهور .. العجيب أن كارلوس ليلتها أخذ في تحضير المشروبات الساخنة وتقديمها لأبانوب الذي رفض بشدة تناول أي منها، الأمر الذي أحرج كارلوس جدا أمام الجميع، كما عزم أبانوب في نفسه على عدم الخروج معه مطلقا رغم أن كلا منهما صار عديل الآخر، وأنه سيتذرع بأي حجة أو يرفض مباشرة أي دعوة، حتى لا يجتمع معه في مكان واحد.. لا يْنسى أن كارلوس هذا هو الذي تصدر المشهد عندما حضر أبانوب لطلب يد ( فيبي ) من أهلها، وهو أيضا من تكفل بالسؤال والتقصي عن سيرته وسمعته في عمله وسكنه قبل الزواج، عندما انبرى قائلا: لا يتعب أحد نفسه في السؤال عن الباشمهندس أبانوب .. عندها ظن أبانوب أنه سيقول مثلا إنه رجل طيب الذكر وأن السؤال عنه وعن سمعته سيكون تحصيل حاصل، أو شيئا من هذا القبيل، لكنه قال ضاحكا: أنا من سيسأل عنه وأبلغكم كل التفاصيل هاهاهاها ..
العجيب أن أبانوب عندما اعتلى المنصة لتأبين كارلوس كانت عينه تذرف الدمع ولبرهة لم يتمالك نفسه حتى قال وهو ينظر للحاضرين من طرف خفي يلفه الخجل : لكل من يعرف كارلوس وكل من لا يعرفه أقول إن كارلوس رجل قتله قلبه الرقيق الذي تحمل الكثير والكثير من أجل راحة الآخرين، كارلوس كان يحيا بيننا بروح قديس، كارلوس هو الذي أسرّ لي تلك الليلة عندما وجدني غاضبا: «لا تغضب مني، فقد وجدتك ترتدي ملابس خفيفة وخفت عليك من نزلة برد حادة، وحتى لا يغضب منك أحد تحملت عنك الحرج وأنت لم تزل فردا جديدا في العائلة»، هكذا كان كارلوس، لكنني سأبقى ما حييت أتساءل: أحقا اختار كارلوس أن تنقلب سيارته في الترعة على الطريق الزراعية بدلا مني؟!..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون