حديث الجمعة بقلم على الشافعي
"أيام العجوز" المستقرضات
انا ـــ يا سادة يا كرام ـــ فلاح ابن فلاح , دمي بلون تراب الارض , ولو حللتموه لوجدتم فيه كل عناصرها , عشت بين الفلاحين فحملت همومهم وامالهم وآلامهم , افراحهم واحزانهم , وحفظت موروثهم من حكايات وحكم وامثال , وعرفت مواسمهم وطقوسهم فيها , ولعل اهم فصل من فصول السنة عند الفلاح هو فصل الشتاء , فان كان جيدا وفير الامطار استبشر به فربّع وربّعت مواشيه , فدر الضرع وطاب اللبن وسمن الولد , ثم صيّف فحصد وقلع , وفي الخريف جنى ثمار الزيتون فعصر وصنّع , فشبع وعائلته وماشيته واشبع , وانزل الفائض الى السوق فباع وتبضّع , واذا لم ينزل المطر كانت سنة جدب وقحط والبيت قاع بلقع , فلا ضرعا حلب ولا زرعا حصد .
يبدا الموسم المطري الحقيقي عادة بأربعينية الشتاء ؛ وهي اربعون يوما تبدا في 211 كانون الاول وتنتهي في 30 كانون الثاني , وهي اشد ايام السنة برودة والمفروض امطارا , فترتوي الارض والنبات . بعدها تدخل خمسينية الشتاء وتبدا من 31 كانون الاول وتنتهي بنهاية الاعتدال الربيعي 21 اذار ( مارس ) , ويقسمونها الى اربعة اقسام ؛ كل قسم اثنا عشر يوما ونصف , ويسمونها (السُّعود ) تبدا بسعد ذابح , يليه سعد بلع , ثم سعد السعود , واخيرا سعد الخبايا . ويقولون في وصفها: سعد ذابح به ما تقدر الكلاب تنابح من شدة البرد , وسعد بلع أي ان الارض تبلع الماء فتمتلئ الابار ونفيض العيون , اما السعود فيقولون تدور المياه بالعود فتنتفخ البراعم استعدادا للتوريق والازهار , وسعد الخبايا فيه تخرج الحيايا تعبيرا عن الزواحف التي تبيت البيات الشتوي كالأفاعي والسحالي .
اما قصة المستقرضات او ايام العجوز التي نحن بصددها هذه الايام , فتعالوا ــ يا دام سعدكم ــ نتعرف عليها كما عبر عنها السلف في الموروث الشعبي :
المستقرضات "أيام العجوز" سبعة ايام , بدايتها السادس والعشرين من شباط (فبراير) ، وآخرها نهاية الرابع من آذار(مارس ) ، فهي ثلاثة من شباط وأربعة من آذار، وإذا كانت السنة كبيسة فتكون أيام العجائز أربعًة من شباط وثلاثًة من آذار. والمستقرضات أيام مطرٍ غزير وخير وفير ، رياحٍ شديدةٍ وزمهرير ، وفيها يكون البرد في أشدّه ، ولذا كانوا يقولون: "في المستقرضات عند جارك لا تبات". وعادة ما يسبق هذه الفترة ارتفاعٌ في درجة الحرارة بشكل ملحوظ ، حتى يظن بعض الناس أن البرد قد انصرف ، ويُقال ايضا : "إذا تأخر المطر في شباط عليك بالمُستقرضات".
اما من أين جاءت التسمية ؟ وما قصتها فيقال ــ كما جاء في الحكايات ــ ان عجوزا قالت في يوم الخامس والعشرين من شباط بعد ان مر الشهر بلا امطار : (اجا شباط وراح شباط وحطينا بظهره مخباط , لا قلع لنا وتد ولا فك لنا رباط ) والمخباط قطعة خشية كبيرة تستخدم لتنظيف الصوف ودق القمح لإخراجه من السنابل , والكلام كناية عن انه مرّ بلا مطر ولا رياح , تقول الحكاية فسمعها شباط فثارت حميته وقال مستعينا بآذار : "آذار يا ابن عمي أربعة منك و ثلاثة مني تا نغرق العجوز وخيمتها . ويقولون : استجاب اذار له فهطلت الأمطار بغزارةٍ وسالت الأودية وجرف السيل أغنام العجوز ، وبدأت العجوز تصرخ قائلة: "يا سيل درجهـن على مهلهن ، معاشير لايرمن بهمهن (حملهن) "، أي أنها تناشد السيل أن يرفق بالأغنام ، كي لا يفقدن ما يحملن به
ولكل يومٍ من هذه الأيام اسمٌ عند العرب وهي : اليوم الاول صن (لشدة البرد)، والثاني صنبر (يترك الأشياء متجمدة قاسية من البرد)، والثالث آمر (يأمر الناس بالحذر منه)، والرابع مؤتمر : (يأتمر بالناس بالشر والأذية) ، والخامس بر (يمحي الآثار من شدة المطر والبرد) ، والسادس معلل (يعلل الناس ويمنيهم بتخفيف البرد) ، والسابع مطفئ الجمر (من شدة البرد ، وبعده لا يوقد جمر لارتفاع البرد). ويقولون ايضا : " شباط بعير وبستعير وبيظل ناقص"
وبعد ،، ايها السادة الكرام ــ فهذه قصة العجوز والمستقرضات كما وردت في موروثنا , فهل يصدق شباط وعده ووعيده هذا العام ليس بإغراق العجوز وخيمتها فحسب , بل واغراق وسط عاصمتنا الحبيبة , ومركز تجارتها العريق واثارها السياحية , ابتداء بالساحة الهاشمية والمدرج الروماني وسبيل الحوريات فالمركز التجاري لوسط البلد , وصولا الى معلمها الثقافي والحضاري (قاع المدينة) كما حدث في العام الماضي , وترى على من سيلقى باللوم هذا العام : العجوز ام شباط ام اصحاب المحلات , ام الامانة . يسعد صباحكم .
"أيام العجوز" المستقرضات
انا ـــ يا سادة يا كرام ـــ فلاح ابن فلاح , دمي بلون تراب الارض , ولو حللتموه لوجدتم فيه كل عناصرها , عشت بين الفلاحين فحملت همومهم وامالهم وآلامهم , افراحهم واحزانهم , وحفظت موروثهم من حكايات وحكم وامثال , وعرفت مواسمهم وطقوسهم فيها , ولعل اهم فصل من فصول السنة عند الفلاح هو فصل الشتاء , فان كان جيدا وفير الامطار استبشر به فربّع وربّعت مواشيه , فدر الضرع وطاب اللبن وسمن الولد , ثم صيّف فحصد وقلع , وفي الخريف جنى ثمار الزيتون فعصر وصنّع , فشبع وعائلته وماشيته واشبع , وانزل الفائض الى السوق فباع وتبضّع , واذا لم ينزل المطر كانت سنة جدب وقحط والبيت قاع بلقع , فلا ضرعا حلب ولا زرعا حصد .
يبدا الموسم المطري الحقيقي عادة بأربعينية الشتاء ؛ وهي اربعون يوما تبدا في 211 كانون الاول وتنتهي في 30 كانون الثاني , وهي اشد ايام السنة برودة والمفروض امطارا , فترتوي الارض والنبات . بعدها تدخل خمسينية الشتاء وتبدا من 31 كانون الاول وتنتهي بنهاية الاعتدال الربيعي 21 اذار ( مارس ) , ويقسمونها الى اربعة اقسام ؛ كل قسم اثنا عشر يوما ونصف , ويسمونها (السُّعود ) تبدا بسعد ذابح , يليه سعد بلع , ثم سعد السعود , واخيرا سعد الخبايا . ويقولون في وصفها: سعد ذابح به ما تقدر الكلاب تنابح من شدة البرد , وسعد بلع أي ان الارض تبلع الماء فتمتلئ الابار ونفيض العيون , اما السعود فيقولون تدور المياه بالعود فتنتفخ البراعم استعدادا للتوريق والازهار , وسعد الخبايا فيه تخرج الحيايا تعبيرا عن الزواحف التي تبيت البيات الشتوي كالأفاعي والسحالي .
اما قصة المستقرضات او ايام العجوز التي نحن بصددها هذه الايام , فتعالوا ــ يا دام سعدكم ــ نتعرف عليها كما عبر عنها السلف في الموروث الشعبي :
المستقرضات "أيام العجوز" سبعة ايام , بدايتها السادس والعشرين من شباط (فبراير) ، وآخرها نهاية الرابع من آذار(مارس ) ، فهي ثلاثة من شباط وأربعة من آذار، وإذا كانت السنة كبيسة فتكون أيام العجائز أربعًة من شباط وثلاثًة من آذار. والمستقرضات أيام مطرٍ غزير وخير وفير ، رياحٍ شديدةٍ وزمهرير ، وفيها يكون البرد في أشدّه ، ولذا كانوا يقولون: "في المستقرضات عند جارك لا تبات". وعادة ما يسبق هذه الفترة ارتفاعٌ في درجة الحرارة بشكل ملحوظ ، حتى يظن بعض الناس أن البرد قد انصرف ، ويُقال ايضا : "إذا تأخر المطر في شباط عليك بالمُستقرضات".
اما من أين جاءت التسمية ؟ وما قصتها فيقال ــ كما جاء في الحكايات ــ ان عجوزا قالت في يوم الخامس والعشرين من شباط بعد ان مر الشهر بلا امطار : (اجا شباط وراح شباط وحطينا بظهره مخباط , لا قلع لنا وتد ولا فك لنا رباط ) والمخباط قطعة خشية كبيرة تستخدم لتنظيف الصوف ودق القمح لإخراجه من السنابل , والكلام كناية عن انه مرّ بلا مطر ولا رياح , تقول الحكاية فسمعها شباط فثارت حميته وقال مستعينا بآذار : "آذار يا ابن عمي أربعة منك و ثلاثة مني تا نغرق العجوز وخيمتها . ويقولون : استجاب اذار له فهطلت الأمطار بغزارةٍ وسالت الأودية وجرف السيل أغنام العجوز ، وبدأت العجوز تصرخ قائلة: "يا سيل درجهـن على مهلهن ، معاشير لايرمن بهمهن (حملهن) "، أي أنها تناشد السيل أن يرفق بالأغنام ، كي لا يفقدن ما يحملن به
ولكل يومٍ من هذه الأيام اسمٌ عند العرب وهي : اليوم الاول صن (لشدة البرد)، والثاني صنبر (يترك الأشياء متجمدة قاسية من البرد)، والثالث آمر (يأمر الناس بالحذر منه)، والرابع مؤتمر : (يأتمر بالناس بالشر والأذية) ، والخامس بر (يمحي الآثار من شدة المطر والبرد) ، والسادس معلل (يعلل الناس ويمنيهم بتخفيف البرد) ، والسابع مطفئ الجمر (من شدة البرد ، وبعده لا يوقد جمر لارتفاع البرد). ويقولون ايضا : " شباط بعير وبستعير وبيظل ناقص"
وبعد ،، ايها السادة الكرام ــ فهذه قصة العجوز والمستقرضات كما وردت في موروثنا , فهل يصدق شباط وعده ووعيده هذا العام ليس بإغراق العجوز وخيمتها فحسب , بل واغراق وسط عاصمتنا الحبيبة , ومركز تجارتها العريق واثارها السياحية , ابتداء بالساحة الهاشمية والمدرج الروماني وسبيل الحوريات فالمركز التجاري لوسط البلد , وصولا الى معلمها الثقافي والحضاري (قاع المدينة) كما حدث في العام الماضي , وترى على من سيلقى باللوم هذا العام : العجوز ام شباط ام اصحاب المحلات , ام الامانة . يسعد صباحكم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق