الجمعة، 23 يونيو 2017

ناقدين وقصيدة تعقّب للشاعر / مصطفي الحاج حسين

ناقدين وقصيدة .. من ديوان ( أجنحة الجّمر ) الذي سيصدر قريباً .. الناقد والشاعر ( عدنان بصل ) و( الناقد والأديب محمد بن يوسف كرزون ) القصيدة ( تعقّب ) للشاعر ( مصطفى الحاج حسين ) . أشكر الناقد الذي ظلمني على كتابته ، لأنه حرّض الناقد الذي أنصفني على كتابته أيضاً ، أشكره أيضاً وأرجو له أن لا يظلم .
تعقّب ...
شعر : مصطفى الحاج حسين .
أتعقّبُ غيابي
أُرسلُ خطايَ خلفَ انهزامي
وأطلقُ أجنحة هواجسي
لأعرفَ أمكنةَ نزيفي
أتلصّصُ على حنيني
لأباغتَ قلبي متلبّساً بدموعهِ
هربت منّي أيّامي
وأنكرتني الذّكريات
ووشت بي قصيدتي
إلى الفضاءِ الأصمِّ
صارَ لهاثي يحاصرني بالاختناقِ
انقضّت الجّهاتُ على رؤايا
وأمسكت جثتي بالغيوم
لتنوح الدّروب فوق رفيفي
أنا احتراقُ الدّمع في الحنجرة
ونموّ الدّم في الشّهيقِ
تعثّرت بي خيبتي
وأنا أنادي الرّيح
لتحملَ عنّي تشرّدي
وتزحف نحوي الانكسارات
تحتاطني ظنوني
تقفزُ الحُرقة من دهشتي
حينَ تمدُّ لي الهاوية يدها
تتعرّى منّي الكلمات
تفتضحُ أسرار صمتي
لأعلن على مرآى موتي
ولادة عنادي
سأرسم لأشواقي خارطة الحلم
سأفتح نافذة في جدرانِ الألمِ
وأُطَيّرُ للمدى شمس فؤادي
أنا سليل القهر والاندحار
أعلنُ عن قيامةِ الخراب
سينهضُ بنا الرّماد
ونعودُ للبلادِ التي
لفظتنا بمجون .
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول
الناقد والشاعر : عدنان بصل .
إنّ النصّ المعنون ب(تعقّب) يحمل همّا
جميلا وجماله متأتّ من كونه وجداني
بامتياز إنّما استخدام الكاتب للأسلوب
الخبري أصبغ النص بالسردية التي هبطت
بمستوى النص إلى مستوى الخاطرة وحتى
إلى التقريرية في هذه الخاطرة فمستلزمات
النص المبدع تقتضي التنوع بين الأسلوب
الخبري والأسلوب الإنشائي الأمر الذي
يعطي حركيّة للنص فكما يستخدم الفنان
التشكيلي الألوان المتنوعة في لوحته
فتبدو مترعة بالجمال فعلى الأديب أن
يستخدم تنوع الأسايب فإذا كان المبتغى
خلق قصيدة نثر فلا بأس باستخدام
الأسلوب الخبري ولن يجب أن يوظف
توظيفا بلاغيا كي يحقق الغاية منه وفي
نص (تعقب) الذي أرى فيه نصا جميلا
وحضورا لافتا للمجاز بأشكال مختلفة كنت
أتمنّى ان يكون قد شغل عليه بشكل أفضل
كي يأخذ مكانه كقصيدة نثر وأنا لم أورد
شواهد عن الجمل الخبريّة لأنّ النص برمته
خبري .
الشاعر عدنان بصل .
هذا ليس تحليلاً لنصّ، هذا درسٌ في الكتابة الشعرية، أرادَ
الناقدُ أن يقدّمَ درساً تفصيلياً في ما يرغبُ هو أن يرى
الشعر عليه... لا أكثر، ويلقّنه لشاعرنا الماجد «مصطفى
الحاج حسين».
ولو أنّه كان يريدُ أن يحلّل ويظهرَ المحاسن والمساوئ
لكان عليه أن يأخذ حجماً أكبر ممّا كتب.
هو يقدّم تعليقاً لا غير، ولم يُظهر من مواطن الجمال في
النصّ الشعري سوى عبارة (همّاً جميلاً) في بداية مقالته،
و(أرى فيه نصا جميلا وحضورا لافتا للمجاز بأشكال
مختلفة) في نهاية المقالة، وكلمتاه هاتان عموميّتان
إنشائيتان، لم يثم الدليل عليهما في نصّه النقديّ، ولم
يحلّل أيّ صورة مجازيّة من صور النصّ الكثيرة بل التي
أُتخِمَ فيها النصّ لجماله.
يكتبُ الشاعر مصطفى الحاج حسين قصيدتَهُ بألمِ أمّته
الذي امتزَجَ بألمه الشخصيّ، فلم نعد نرى الحدودَ الفاصلةَ
بين الألمين.
هو يستخدمُ الضمير الشخصيّ الفرديّ (أنا)، وما يلحقُ به
من ياء المتكلّم والفعل المضارع الذي صيغَ على بالصياغة
الفرديّة ذاتها، ولكن قراءتنا لتفاصيل قصيدته لا تخفي
امتزاج ألمه بألمِ أمّته جميعاً، التي تغوصُ الآنَ (في عتمةِ
النار)، والتي (تلملمُ انكسارات موتها)، وكأنّها (تعدو
صوبَ شهقاتِ الأفول)، ورغم تراثها العظيم، الذي اتّخذ
الشاعر من اللغة رمزاً له، فإنّ هذه اللغة الرمز لم تعد تنفع
شيئاً، فهي ليست سوى (أجنحةٍ تمتدُّ لتعلنَ خرابَ أمّةٍ
كاملة): (أمدُّ لغتي أجنحةً لخرابي).
ثمّ ينقلنا إلى تفصيل آخر لا يقلّ دهشةً وغرابةً، ولكنّه
واقع وحقيقة: (أوزّعُ ينابيع دهشتي على خريرِ اختناقي)
فهذه الأمّة تصرخ وهي تكادُ أن تختنقَ ممّا هي فيه من
ويلات وحروب ومؤامرات، في دهشةٍ غريبة من مواقف
العالَم كلّه تجاه ما تعاني منه.
وينهي القصيدة كما ابتدأها، بالموت أو النهاية:
لا شيء يشبه اسمي
إلاّ أمواج العدم
القصيدةُ في تفاصيلها تكادُ تكون ملحمةً مصغّرة، تحاكي
ما يجري في الواقع المرير، وتنبئُ عن أنّ الأمّة تسير إلى
نهايتها، إلى تفتُّتِها، إلى موتها المحتوم، وهي الأمّة التي
عاشت قروناً طويلة صابرةً على الشدائد والمحن،
وصمدتْ.
ويأتي تحذيرُ الشاعر في غاية الأناقة والجمال، عندما
يمزج (الأنا) بــ(نحن)، ويعلنُ أنّ وجعه هو في العمقِ
والأزمة التي يكادُ لا ينفعُ معها دواء.
القصيدة مُترَعةٌ بالصور المدهشة، والمجازات المذهلة،
التي لا تشبه قصيدةً أخرى من قصائد الشعر النثريّ
المعاصر والحديث في تفاصيلها، وإن كان قد استندَ في
واحدةٍ منها إلى البلاغة القرآنية، في قوله:
ورحتُ أهزُّ بجذعِ قهري
تساقطَ عليَّ جمرُ صمتي
فهي تذكّرنا بآياتٍ من «سورة مريم» : (وهزّي إليكِ بجذعِ
النخلةِ تساقط عليكِ رطباً جنيّاً). ولكنّ نتيجة هزّه لقهره
كانَ جمر الصمتِ الذي يكوينا جميعاً ولا نستطيعُ الفكاكَ
منه، عندما نرى أمّتَنا تُذبَحُ وريداً وريداً ونحنُ صامتون.
محمد بن يوسف كرزون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون