صفر إلى اليمين
""""""""""""""""
ناداها وهي منهمكة في غسل أوانٍ تراكمت وتداخلت جراء عشاء شهي ، جمع شمل العائلة ..
كان قد أخرج لوحةً وطبشورا وتمدد في البهو يجر ويخط ويمحو بطرف معطفه وبلة من ريقه رغم وجود طلاسة بجواره ...
أمي ...أمي ...تعالي ..
غظت الأم طرفها عن ندائه لكنه ألح وعاود المناداة ..
أمي ..لقد كتبت الأرقام من واحد إلى عشرة ...تعالي وانظري ...
قطعت الوالدة شغلها ، وأطلت على لوحته فرأت الأرقام متسلسلة تنتهي بالعدد 19 ...
ضحكت قائلة : أين رقم عشرة يا بني ..
أشار ببراءته إلى نفس العدد ...
وقال في عفوية الطفولة :
هذا عشرة ...تسعة وواحد ...
أمسكت الأم اللوحة ومحت ذاك الرقم الذي أثار حفيظتها وكتبت 10...
ثم قالت لوليدها : هكذا يكتب العدد .
قال مباشرة : ومن أين جاءت هذه الدائرة
ردت الأم : إنها الصفر .
_ وماذا يعني الصفر .
_ يعني أنه لا قيمة له .
_ ولماذا نكتبه إذن .؟
لم تنبس ببنت شفة ورجعت إلى ما كانت عليه من قبل .
لكنه ناداها ثانية :
_ أمي ...أمي ...أين يمكنني أن أكتب الصفر ؟ .
قالت الأم ولم تبرح مطبخها : قبل الواحد يا بني .
رد بسرعة : ولمَ لمْ ينبهني أحد لذلك ، حتى آنستي لم تكتبه في كراستي ؟
احتارت الأم في أسئلته الحرجة التي بدأت تشتت فكرها ..فنضهت لتمسك بأصابع طفلها وتشرع في العد ....
واحد ..اثنان ...ثلاثة ...عشرة ..
_ وأين الصفر ؟ رد الطفل في استغراب
_ الصفر يوضع دائما إلى اليمين حين نكرر الرقم عشر مرات .
وقبل أن يسألها مجددا ، قالت :
نقول مثلا : عشرة ...عشرون ..ثلاثون .
وانصرفت مجددا لتنجز عملا آخرا ، ربما كان وجبة غذاء ..
لم ترقه فكرة أمه وشرحها ، وبعد هنيهة ناداها :
_ أمي لقد لونت تلك الدائرة ..
دهشت الأم حينها وغُمَّ عنها ما ستفعله ، وكادت ترمي تلك اللوحة على امتداد بصرها .
_ قلت لك إنه الصفر وليس بدائرة ويكتب دائما إلى يمين أي رقم .
• لكن أبي كتبه إلى اليسار في ورقة المشتريات ...
أمسكت حينها الوالدة برأسها وبهتت فيما يحدث أمام ناظريها من تضارب وتناقض ...
صمت الطفل قليلا ثم قال :
والآن هل أكتبه إلى اليمين أم إلى اليسار أم أتخلى عنه نهائيا ...؟
تركته أمه على ذاك الحال.. بل حولت وجهته بحيلة وذكاء أن أمرته بكتابة بعض الكلمات ..
وانغمست في أعمالها المنزلية وهي تحدث نفسها قائلة :
_ أنت محق يا بني ، فالبعض يضيف الأصفار إلى اليمين بعد أداء اليمين .
والبعض يجامل بها الأحباب بعد حملة الانتخاب .ومنهم من يكثر منها لإخفاء جرم أو لتغطية ظلم .
والبعض يملأ بها الجيوب لعلها تستر بعض العيوب . وبعضنا يضخم بها الفواتير ويزيد في الريع بتزوير أوراق المشاريع ...ويبيض بها الأموال ليفر من المتابعة والسؤال .
والبعض الآخر يا بني يطيب بها الخواطر ويسعد بها القلوب ..
والبعض منا لا تتضاعف أصفاره إلا على لوح السبورة أو على الأوراق ..
قطع حبل تفكيرها ذاك الطفل اللحوح وهو يخرج للشارع لينعم بدفء الشمس وهو يعم الأرجاء ، فتنهدت حينها الأم وتنفست الصعداء .
# إبراهيم _ مقدير / الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق